نعم عند الإخوان كتاب محفوظات.
تجد الرد واحدًا عند كل مَن تتحدث معهم.. كأن ألسنتهم وضعت على أجهزة تسجيل دون أن تمر على الوعى.. أو كأن الماكينات احتلت فجأة الفراغ الذى يمكن أن تفكر به.
آخر إبداعات كتاب المحفوظات.. كان ردًّا على الكذب فى خطاب الإخوان.
الرد الجاهز سيقول لك.. الإخوان صادقون لكن ما السياسة إلا كذب.
وهذه ليست إلا خدعة جديدة.
السياسة هى قيم وأفكار تتصارع، وفى الصراع مرونة ومناورة وذكاء.. وهذه أشياء تختلف كثيرًا عن الكذب.
كتاب المحفوظات يقول مثلًا إن الدعوة هى الوجه الطيب للإخوانى، بينما السياسة لعبة قذرة.
والواقع يقول إن الخلط بين الدين والسياسة واللعب بهما هو الجانب القبيح من تجربة حُرم فيها المصريون من السياسة ٦٠ عامًا.. والآن يريدون أن يبرّروا حتى اختيارهم لدخولهم من الأبواب الخلفية.
لا أقول هذا بمناسبة تصريحات عصام العريان الجديدة عن دور الإخوان فى الثورة وتمهيدهم لها من خلال صفحة «كلنا خالد سعيد» بإدارة عبد الرحمن منصور الذى قال إنه إخوانى، ورد عليه منصور بأنه لم يكن كذلك.
الكذب هنا ليس سياسة، لكنه خدعة تريد سرقة الأدوار التى كانت يومها تكلّف الكثير.
هذه ليست سياسة إلا بمنطق «سيكة» الذى أقنعه معلمه أن السياسة هى بيع اللحم المغشوش للزبون.
الرد على العريان سهل وقد قام به عبد الرحمن منصور، لكنه بالنسبة إلىّ علامة جديدة على أن الخارجين من كتاب المحفوظات يتصورون أن كل شىء مبرر ما دام يضع فى أوله وآخره نصًّا من القرآن أو الحديث. وهذا هو المرفوض فى الأسلوب الإخوانى وليس تدينهم. لماذا يتصورون أنه يمكن الضحك على شعب كامل.. ولا يظهر شخص واحد ليكشف الخديعة. هل استمرار الخديعة كل هذه السنوات ينفى أنها خديعة. ماذا يعنى أن تمارس السياسة من خلال جماعة تمزج بين الدعوة إلى الدين والسياسة.
كيف نقبل بوصول جماعة للحكم.. وهى تخطط لاتخاذ حكمها جسرًا للوصول إلى مشروع غير معلن..؟ كيف يمكن القبول بوجود رجل غامض اسمه المرشد موجودًا فى مكان ما لا يكشف عن تفاصيل ما يجرى فيه.. ولا عن المجموعة التى يختارها ويسميها مكتب الإرشاد؟.. والأهم أنها تعتمد على أنهم طليعة الفتح الإسلامى الجديد.. الذى سيُدخل الإسلام من جديد إلى مصر. هذه هى الخدعة التى مهما طال عمرها.. لن تمر. كيف تمارس السياسة بقواعد تلغيها؟
كيف أقبل بوجود جماعة لها قوانينها السرية وتعتمد على السمع والطاعة.. فى مجال يعتمد على الاختيار والمنافسة؟
تقدسون المرشد فأنتم أحرار.
لكن عندما تدخلون مجال السياسة فلا يعنى مرشدكم شيئًا ويعتبر مخالفة كبرى.
السياسة ليست الكذب. السياسة هى بناء التجربة الإنسانية فى إدارة المجتمعات.. كيف نتعامل مع جماعات ترى أن مرشدها يجلس فى مقعده ينتظر تقبيل يده.. وحكمه نهائى.. وهو القائد فى طريق الأستاذية على العالم؟
هذه أوهام انتهت من العالم كله.
أن يحمل التنظيم السياسى قداسة خارج البشر أو مهامًا استثنائية كما كان يحدث فى الأحزاب الفاشية والنازية التى ربما شعرت بقرب جماعة الإخوان لها وقامت بدعمها ماليًّا ومنحتها بعضًا من الود والأخوة.
هذه التنظيمات قادت العالم إلى الدمار.. لأنها مبنية على «الاستثناء» و«التفوق» الخاص. إن هذه هى مجموعة استثنائية لها مهام فى تطهير العالم أو إعادة ولادته لإعادة مجد قديم.
وهى شحنات تمنح للتفوق على كل المجموعات الأخرى مبررًا.. يجعل الإبادة والعنف أشياء عادية.
الأحزاب لم تعد مهمتها عادة تربية الإنسان لتكون هى مكان ولادته الجديدة.. وعندما كانت هذه مهمتها فإن النهاية كانت الدمار كما حدث فى الاتحاد السوفييتى وقبلها فى ألمانيا وإيطاليا،
هذه التنظيمات تقوم على التنويم المغناطيسى كما كان يحدث فى تنظيم الحشاشين، أول تنظيم متطرف فى الإسلام، عندما كان حسن الصباح يقنع مريديه بأن الطريق إلى الله يمر عبر تدخين كميات هائلة من الحشيش، يستطيع بعدها إقناع جمهوره بأن قتل الخصوم سيفتح لهم الطريق أمام الجنة.
التصور الساذج فى «الحشاشين» استمر فى تجارب أخرى.. وما زال مستمرًّا هنا، حيث هناك مَن يتصور أن السياسة هى الطريق إلى الجنة.
يقول ذلك وبعدها يفتح كتاب المحفوظات ليقول «السياسة هى الكذب».. وبالطبع النتيجة المنطقية تقول إننا نستخدم السياسة لإلغاء السياسة.. نستخدم الديمقراطية سلمًا لكى نمنعها.. وما دامت الجماعة هى المؤمنة فمن سيأتى بعدهم إلا الكفار؟