فى النرجسية الحاكمة - وائل عبد الفتاح - التحرير
لا يعرفون أن هناك سلطة دون تسلط، ولا حكم دون ديكتاتورية، ولا مسؤولية دون استبداد، هذا ما فى عقولهم وأرواحهم فهم ليسوا حكاما، لكنهم «رسل» يستمدون شرعيتهم من السماء (لهذا يقولون إن حكم المرسى ربانى) ومعهم السحر الكبير (الإسلام هو الحل) ومجرد وجودهم (هم الطيبون) ستنصلح الأحوال. هذه النرجسية كاشفة الآن لمأزق رهيب يجعل مثلا تيار استقلال القضاء الذى هزّ مصر كلها سنة ٢٠٠٥ وجعلها تهتف «يا قضاة يا قضاة انقذونا من الطغاة».. تصيبه الآن لعنة السلطوية وهذه النظرة الجامدة القاصرة لمعنى السلطة ومفاهيم المسؤولية، مشكلتهم ليست فى فسادهم ولكن فى تصور أن «نظافتهم» وحدها تكفى للحكم أو تسمح لهم بفعل ما كان يفعله المستبدون ما داموا هم الفاعلين. وهذه نظرة نرجسية تحتقر شعبا كاملا، وتراه مجرد أطفال عبيد صغار، كما تحتقر البشرية بأفكارها وكفاحها لتخليص المجتمع من العبودية السياسية أو القهر باسم كل القيم الكبيرة، من الدين إلى القومية المتعالية على بقية القوميات. التسلط باسم الدين أو القومية أو باسم «نظافة السيرة» هو فى النهاية تسلط واستبداد، لا اسما مختلفا له ولهذا شارك المستشار أحمد مكى، وزير العدل، فى تغطية ديكتاتورية المرسى وجماعته ولم يتوقف إلا عندما مسَّت هذه الديكتاتورية وهذا التغول مصالح «طائفته» من القضاة.
وبهذه النرجسية المدمرة نفسها أصبح المستشار حسام الغريانى صانع كارثة الدستور والمعطل الرئيسى لمجلس حقوق الإنسان إلى درجة تحول المجلس إلى مجرد كورس لقادة ميليشيات الجماعة فى طلعاتها لفرض الإذعان على الشارع.
الغريانى يبدو من فرط نرجسيته توحَّد مع ما يفعله لم يعد يراه محط خطأ وصواب.. لكنه وحى من نبله ومكانته التى كانت أيام القضاء.. نسى المسافة بين القاضى الذى يحكم من المنصة والسياسى الذى لا يمكن أن يستمر بإلغاء الآخرين.
هم جميعا شركاء فى إعادة هندسة الفراغ السياسى لتكون السلطة مركزها المسيطر والمهيمن، وحجتهم أن السلطة الآن نظيفة اليد.