قس على ذلك ما حدث داخل المؤسسة العسكرية، ومجلسها العسكرى، الذى كان أهم من فيه وفى تحديد قراراته هم أربعة أشخاص، وزير الدفاع (صاحب التاريخ الأطول كوزير للدفاع فى الستين عاما الأخيرة)، بما يحمله من سلطة معنوية، ورئيس الأركان بما يحمل من قوة ميدانية، واللواء العصار بكونه مفتاح العلاقات العسكرية الأمريكية وصفقات السلاح الخاصة بالجيش، واللواء عبد الفتاح السيسى رئيس المخابرات الحربية بما يملكه من توجيه لصناعة القرار، مستندا إلى قوة معلوماتية، ومساحات شغلها جهازه، وكانت فى السابق تشغلها أجهزة أمنية أخرى، مثل الأمن الوطنى الذى بدا أن استعادة نفوذه بشكله القديم أمر صعب نسبى، والمخابرات العامة التى بدا رئيسها المحال إلى التقاعد فى الفترة الأخيرة غير مرغوب فيه من الرئيس والمشير طنطاوى كونه دائم النقد ومستاء فى أوقات عدة.
ورغم أن المجلس العسكرى لم يتخذ بالطبع قرارا ينم عن براعة أو فطنة أو انحياز حتى لمدنية الدولة، كما كان يراهن البعض، بل بدا الأمر كله هو كيف يحمى هؤلاء مصالحهم ونفوذهم الاقتصادى وخروجهم الآمن، غير أن الإخوان وفى إطار إجراءات أشمل للاستحواذ والسيطرة على مفاصل الدولة المصرية أوضحنا مقدماتها فى السطور السابقة، رأوا الحفاظ على هذا المجلس كما هو أمرا قد يقف حجر عثرة فى سبيل تحقيق مشروعهم، حتى وإن بدا أن المجلس لا يتخذ إجراءات عدائية الآن، لكنه يمثل تهديدا مستقبليا، فكان استخدام الأسلوب نفسه نفس أسلوب تشكيل الحكومة، ونفس أسلوب التعاطى مع الإعلام، الإطاحة بنصف الرأس واستيعاب النصف الثانى الذى لا يجد أى غضاضة فى أن يكمل الرأس الإخوانية ما دام سيجد له نصيبا من المصلحة.
الأمر كله بعيد عن الإجراءات الثورية أو الإصلاحية حتى، فالسيد عبد الفتاح السيسى رئيس المخابرات الحربية، وإن بدا أنه قيادة صغيرة فى السن طامحة لتولى منصب وزارة الدفاع، لا يعد شخصا مختلفا كثيرا على الأقل فى أعين الساسة عن زملائه ممن ناصبتهم الحركات السياسية العداء، فالرجل متورط فى مذبحة سيناء بشكل كبير (وفقا لطبيعة دور الأجهزة الأمنية فى سيناء ونسبة توزيع المسؤولية على الأجهزة السيادية المعنية)، ويشار إلى تحمله المسؤولية فى قضية كشوف العذرية، وتعذيب ناشطين داخل مقرات المخابرات الحربية، ناهيك بأصابع الاتهام الموجهة إليه فى ما عرف إعلاميا بمعركة العباسية الأولى.
أما اللواء العصار فهو مهندس صفقات السلاح المصرية الأمريكية، بكل ما يدور حولها من شبهات وما يثار حولها من أحاديث قد ظل أيضا فى موقعه، من مساعد طنطاوى لمساعد وزير الدفاع الجديد ويبدو أن الاثنين قد استوعبا الدرس بشكل صحيح، الدرس الذى مفاده أن طنطاوى بكبر سنه وسامى عنان رئيس أركانه بفشله، أصبحا محروقين شعبيا تماما، وغير قادرين على تلبية طموحاتهما أو حمايتهما، بل حتى غير قادرين على حماية أنفسهما فى مواجهة جماعة تتمدد وتتوغل، صارت تسيطر على مؤسسة الرئاسة والإعلام والدستور وكل شىء تقريبا، فكان تحالفهم مع الإخوان المسلمين، وهو الأمر الذى جعل البعض يسخر من ذلك الإجراء، واصفا قرار الرئيس بمن يستبدل بالدولة العميقة دولة أعمق ولاؤها له، كونه من جاء بها إلى أعلى موقع فى الدولة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق