لا بد من قراءة الواقع من جديد، ولا بد أن نعترف جميعا بأننا فشلنا، إلا المؤسسة العسكرية. خطأ تلك المؤسسة العريقة الوحيد هو إعلامها. ما يلتف حولها من كتاب وصحفيين ومذيعين كلهم -أو كللتهم- فشلة عن جدارة، ومن يعمل معهم فى الخفاء كانوا فشلة أيضا فى عملهم الإعلامى أو الصحفى، لذلك خسروا كثيرا من رصيدهم فى الشارع، ونجحت مخططات الإخوان فى النيل من رصيدهم، بما أشاعوه بين الناس بالشعار التاريخى «يسقط يسقط حكم العسكر». وقد كان مفاجأة للجميع، لأنه خرج مفاجأة ودون مبرر واضح. لكنه فاح وشاع وانتشر وسبح فى آذان الناس ولقى مردوده، فأول من نادى به هم الإخوان، واستخدموا فيه سياسة غريزة القطيع المعروفة فى فن الدعاية. لا بد أن يعترف العسكر بأن الإعلام يحكم العالم، ثلاثة أسطر فى مقالة صحفية صنعت دولة اسمها إسرائيل، وكانت فكرتها على يد صحفى صغير، ابن 21 عامًا، اسمه تيودور هيرتزل، يعمل فى جريدة «التايمز» الإنجليزية، وكانت فكرة إنشاء دولة إسرائيل فى ثلاثة أسطر فى مقاله الأسبوعى، وبعد عدة شهور من اجتماعات مجلس العموم البريطانى ومجلس اللوردات اتصل بلفور بهرتزل قائلًا له كلمته التاريخية «مبروك جالك ولد»، مشيرا إلى موافقة بريطانيا على إقامة دولة إسرائيل. هذا هو الإعلام، ولو ذكرت الأسماء التى تشير بفكرها على العسكر، أو تعمل له فى الصحف، أو تكتب له فى الخفاء سيضحك الجميع، كلهم أهل ثقة، أو من بقايا الموالسين للنظام الراحل أو ماسحى الأحذية لكل العصور، وهذا هو الخطأ الوحيد للمؤسسة العسكرية، لذلك خسروا الاستراتيجية التى كان يمتلكها عبد الناصر متمثلة فى هيكل، ويمتلكها السادات متمثلة فى موسى صبرى. أما إخواننا الشخاليل بهاليل، وهم الإخوان، فهم لا يتعلمون أبدًا من تاريخهم ولا من تاريخ مصر ولا من تاريخ العالم، هم فى حاجة إلى مراجعة النفس وإلى الكياسة وإلى الوطنية. خونة بالمعنى الواضح، كل تحركاتهم لا تدل إلا على أنهم يتحركون وفق توجيه أجهزة مخابرات غربية، على رأسها المخابرات الأمريكية. التخطيط العلمى الممنهج والمدروس ليس من فكر الإخوان، والكبار يعلمون ذلك تمامًا، بل إن أحد المخلصين بداخلهم اعترض على كل ما يتم، لكنه تلقى هجومًا عنيفًا وتبويخًا وحججًا من نوع ما كان يقنع به القائد حسام لصلاح الدين بأن «الحرب خدعة». الرجل قال كلمته أمام الله وأمام ضميره واتخذ جانبًا يتفرج. فلو تتبعنا أسلوب الإخوان على مدار تاريخهم، وتتبعنا أسلوب الإخوان فى الانتخابات الرئاسية، لوضحت لنا الصورة كاملة، تغيير كبير واضح فى الأسلوب العلمى، والتكنيك الخططى، واستخدام الحرب النفسية والإعلامية للتأثير على الشارع، واستخدام الرشوة الانتخابية التى وصلت إلى عشرين مليون جنيه، منها عشرة ملايين جنيه فى المطابع الأميرية، وعشرة أخرى للقضاة ضعاف النفوس والضمير، وهم معروفون بالاسم، ويتم التحقيق معهم الآن، وقد أساؤوا أشد الإساءة إلى المؤسسة القضائية. وقد تكلفت مصاريف الانتخابات الرئاسية فقط 150 مليون جنيه، دفعت دولة قطر 100 مليون منها، والباقى من خزينة الإخوان ورجال أعمالهم، وهو الأمر الذى لا بد أن نتوقف عنده قليلا لنعيد قراءة المشهد من جديد. قطر دولة لا تتحرك إلا بتوجيه أمريكى بحت، والمثير للدهشة أن الإخوان يصرخون ويتشنجون للتدخل فى ميزانية القوات المسلحة ووزارة الداخلية وكل شبر فى الدولة المصرية، ويعترضون بشدة ويصرخون ويتشنجون عندما نريد معرفة الأموال التى يمتلكها الإخوان وميزانية الجماعة، ومعرفة الداخل والخارج من الأموال والتحركات السرية مع المخابرات الخارجية. بالطبع ستجد منهم الإجابة العقيمة، حجج القائد حسام «الحرب خدعة»، نتعامل مع الشيطان من أجل المصلحة الإخوانية، ولنا ما نريد ولهم ما يريدون، بعيدا عن حدود الله. الإخوان يقبلون أن يحكموا مصر بالتزوير والرشوة والترغيب والترهيب والتهديد وبالأوامر الأمريكية، المهم الكرسى. بتوع ربنا يفوزون فى الانتخابات بالتزوير والرشوة، صحيح الإخوان منذ فترة عملهم بالحياة السياسية وهم يزورون فى كل انتخابات، لكن أن يصل الأمر إلى تزوير انتخابات رئيس الجمهورية بعد تلك الثورة المجيدة، فتلك هى الخيانة العظمى للثورة وللشعب ولشبابها، لا بد أن يحاسب الإخوان أنفسهم بأنفسهم حسابًا عسيرًا، وسواء نجح مرسى أو نجح شفيق أو ألغيت الانتخابات -لما يشوبها من عوار ليأتى حمدين صباحى رئيسًا للجمهورية- فالإخوان خسروا أهم ما يملكون، وهو تعاطف الشعب، وفضحوا ضمائرهم التى كانوا يتغنون بها فى كل مناسبة. والمؤامرة والاتفاق اللذان تمر بهما البلاد الآن، الإخوان يحصلون على أى سلطة يمكن من خلالها تمرير ما يريده الأمريكان فى المنطقة، لذلك لم يعترضوا على حل البرلمان لأن أعينهم كانت على الرئاسة، وإذا ابتعدت الرئاسة فالبرلمان موجود، أيهما أقرب. المهم أن يتم المخطط الأمريكى فى المنطقة خلال الأعوام القادمة، وشفيق أفندى لا يمكن أن يحقق لهم ذلك، ليس لأنه ضد الأمريكان، بل لأنه لا يمتلك الشعبية والخاصية الإسلامية المطلوبة هذه الأيام. وعار عليه أن يحيط نفسه بهذا الكم من الفلول المشبوهين، وعار عليه أن يكون مستوى خطاباته بهذه السطحية والتفاهة والغشومية، مما يدل على أن كاتبيها من كلاب النظام البائد. كيف يريدون منا أن نصطف فى فريق شفيق بزعم الدولة المدنية، وهو محاط بهذا الكم من كلاب النظام البائد ممن يتوقعون أن يعودوا إلى الحياة مرة أخرى، وينسوا أن الجزم فى انتظارهم لو أطل واحد منهم برأسه من جديد. عار على شفيق أن يكون أحد المروجين له مذيعًا لا يحضرنى اسمه الآن لكنه مشهور بالبط والإوز. مصر أكبر من ذلك بكثير، أكبر من الإخوان، ومن المرتزقة، ومن الخونة، ومن الفشلة، ومن البلهاء، مصر فوق الجميع..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق