الثلاثاء، 8 نوفمبر 2011


«الدين للإخوان والوطن للعسكر»November 7th, 2011 10:43 am

لا أدعى أن ثمة صفقة تآمرية تمت بين العسكريين والإسلامجيين فى بداية تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد. بل أنظر إلى الموضوع بصورة واقعية (جدلية). المجلس العسكرى تولى البلد ظانا أن العملية لن تكون أكثر من تغيير وجوه، لكنه اضطر تحت ضغط الشارع المتحمس، وبعد تمنع منه، اضطر إلى التخلص من الوجوه المدنية التى كانت حلقة الوصل بينه وبين المواطنين.
احتاج المجلس العسكرى إلى بديل مدنى يلعب هذا الدور بعد سقوط النظام. الأحزاب القديمة لم تكن تصلح للمهمة، لأنه يعرفها عن ظهر قلب، ويعرف حجمها الحقيقى فى الشارع، ويعرف تاريخ قياداتها ومحدودية قدراتها. لم يكن واثقا فى شباب الثورة، ولا فى قدرتهم على التأثير الشعبى الواسع. يدرك أن تأثيرهم قوى، لكنه يقتصر على شريحة معينة وفئة عمرية معينة. واكتشف فى لقاءاته التعارفية معهم «سذاجتهم السياسية» (ولا أقول هذا تقليلا من شأنهم)، والأهم أنه استمع منهم إلى رؤية تنم عن رغبة حقيقية فى التغيير. وهذا -بالضبط- ما لم تكن المؤسسة العسكرية المحافظة ترغب فيه.
لم يبق أمامه، موضوعيا، إلا الإسلامجيون. هؤلاء قادرون على الحشد، وعلى التأثير الشعبى، ولهم سلطة معنوية مهمة. وتستطيع السلطة إن بالغوا فى استعراض القوة أن تحجمهم وتجد الأعذار لمعاقبتهم. عملية إرهابية هنا أو هناك، محاولة اغتيال فى «المنشية»، كشف تنظيم سرى، أى من هذا كفيل بتأليب الناس عليهم، وكفيل بأن يجعل المجتمع الدولى يغض البصر عما قد يحدث لهم. الطريقة التى تصرف بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال الفترة الماضية تظهر أن عقله المفكر لم يخضع لعملية تحديث لآليات الحكم منذ ١٩٥٢ إلى الآن.
لكن يبدو أن الإسلامجيين لم يدركوا هذا. ظنوا أنهم سيتجنبون مصير ١٩٥٤ برسالة تطمين تشمل عدم ترشيح رئيس (بمعنى أنهم تركوا هذا المقعد للجيش). وتمت الصفقة بلا اتفاق مباشر. الجيش حائط الصد الأول ضد مؤامرات «غير المصريين» وأعوانهم التى تريد النيل من «أرضنا»، والإسلامجيون حائط الصد ضد مؤامرات «غير المسلمين» وأعوانهم التى تريد النيل من «ديننا». وتحول شعار الدين لله والوطن للجميع، عمليا، إلى «الدين للإخوان والوطنية للمجلس»، البرلمان للإخوان والرئاسة للمجلس، الشارع للإخوان والسلطة للمجلس. اتفاق كتب بنودَه تحت شعار التعديلات الدستورية طارقُ البشرى وصبحى صالح، وعمدته نتيجة الاستفتاء. حين يتدخل البشرى مؤخرا وينتقد وثيقة المبادئ بعد صمت طويل، فإنه فى الحقيقة ينتقد «الإخلال بالاتفاق» الذى كان شاهدا عليه.
لكن الاتفاق لا يعنى ثقة متبادلة. فالطرفان متشابهان كثيرا، والقطبان المتشابهان يتنافران. متشابهان. وأكثر ما يتشابهان فيه أن كلا منهما يعتقد أن الدنيا لن تستقيم إلا به، وبه وحده. متشابهان فى عدم ثقتهما بالآخرين. متشابهان. كل منهما يعتقد أنه يمتلك «الحقيقة» التى يغفل الآخرون عنها.
لذلك يحاول كل من الطرفين «التسلل» إلى مجال تخصص الآخر ومزاحمته وانتزاع أرض منه، وأيضا «مجاملته». المجلس العسكرى «ضيق» على المسيحيين فى أكثر من مناسبة. الإسلامجيون أصحاب المقرات الفارهة اتهموا فرقاءهم السياسيين بأنهم يتلقون تمويلا مشبوها، وبأن لهم أجندات.
لكن مع وصولهما إلى المباراة النهائية فى الصراع على السلطة لا بد أنهما يدركان الآن أن الصدام قادم لا محالة، يحاول الجيش تأجيله بتصدير «على السلمى»، ويحاول الإسلامجيون تأجيله بالإيحاء بانطلاء الحيلة عليهم ومهاجمة «على السلمى» (كأن على السلمى شغال من دماغه.. هع). لكنهما، أكرر، يدركان أن الصدام قادم لا محالة.
لقد ظن ملاك الدين وملاك الوطن أننا -نحن المواطنين- بلا دور. لكن مع الصدام القادم سيدركون أننا الرقم الصعب. وسيفهمون لماذا استطاع أناس منا -شباب الثورة- أن يحركوا شعبا بأكمله، بعد أن أُعلن عجزُ الإسلاميين عن ذلك زمنا، وبعد أن ظنت السلطة استحالة ذلك زمنا. لقد نجح شباب الثورة من قبل لأنهم ببساطة قالوا للمواطن العادى وللجيل الجديد: «الدين لك والوطن لك». ونحن نكرر خلفهم: «الدين لنا والوطن لنا»، واللى مش عاجبو يشرب من البحر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق