الأربعاء، 25 يوليو 2012

مصطفى الأسواني يكتب: الإخوان المسلمون الحليف الناعم لأمريكا عبر التاريخ


من الواضح أن الولايات المتحدة في حالة قلق شديد منذ سقوط خادمها المخلص حسني مبارك -في يناير العام الماضي- الذي كان حليفًا لها؛ وتسعى منذ ذلك الوقت إلى الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية في المنطقة من خلال البحث عن حليف بديل؛ وأمريكا لم تجد أفضل من الإخوان المسلمين -من وجهة نظرها- بديلاً للمخلوع مبارك.


الصراع الآن في مصر يتمثل في أيهما الأذكى في إقناع أمريكا بالسيطرة على الحكم؛ هل المجلس العسكري الذي يقترح نفسه أن يكون شرطيًا لأمريكا في أرض الكنانة؛ أم الإسلاميون بزعامة الإخوان الذين يسعون لتبديد المخاوف والشكوك معها انطلاقًا من استثمار العلاقة التاريخية معها؟.. ولكن بالنسبة لأمريكا فإن السؤال هو أيهما الأصلح منهما لحكم مصر جديدة تستطيع أن تكون نموذج تغيير لكل البلدان العربية والإسلامية؛ نظرًا لمكانة مصر وتأثيرها القوي في المنطقة؟.


أعتقد بأن أمريكا ترى أن الأصلح لها هم الإخوان المسلمون الذين كانوا حليفًا ناعمًا لها تاريخيًا؛ وما يزالون على ذات النهج. ويصب في هذا الاتجاه تعهد الرئيس الجديد الإخواني محمد مرسي بالمحافظة على الاتفاقيات والمعاهدات والتزامات مصر الدولية؛ ومنها طبعًا معاهدة «كامب ديفيد» المبرمة بين مصر وإسرائيل، لذلك فإن أمريكا من مصلحتها دعم حكم المدنيين بقيادة الإخوان وليس حكم العسكر.


وأزعم أن أمريكا لن تقول للمجلس العسكري في مصر هكذا «تنحى عن الحكم»؛ ولكنها ستوعز إلى الإسلاميين بزعامة الإخوان بتحريك الشارع المصري لإسقاط حكم العسكر؛ بينما تقوم هي بالضغط عليه للتنحي وترك الحكم للمدنيين.

****

في السياق ذاته؛ لقد ساهمت واشنطن في تمكين تيارات الإسلام السياسي خلال 30 عامًا من اختراق كل مؤسسات الدولة. الأمر الذي يجعلنا نتحدث لا عن التعددية والديمقراطية والتنوع؛ بل عن تركيع الأمة المصرية وتدمير حضاراتها لصالح مشاريع أقلها إقامة ما يسمى بالخلافة وتشكيل قوس إسلامي في شمال إفريقيا يضع المنطقة فوق برميل من البارود ويغدو مخلبًا «أمريكيًا – أطلنطيًا» للقيام بالمهمات القذرة لصالح الولايات المتحدة وحلف الناتو. وهذه الحالة تروق تمامًا لجماعة الإخوان المسلمون؛ وبطبيعة الحال لا يمكن للجماعة أيضًا أن تتجاهل تيارات الإسلام السياسي الأخرى؛ لكي لا تفقد أحد أكبر جوانب دعمها اجتماعيًا وانتخابيًا وجماهيريًا.


وتسعى واشنطن للحفاظ على مصر التي تُعد البلد العربي الأهم تاريخيًا والأكبر من حيث عدد السكان وصاحب قناة السويس؛ وأحد أفضل حلفاء أمريكا منذ أكثر من 40 عامًا؛ حليفة أساسية لها؛ وجارة مسالمة لإسرائيل. غير أن الوضع الآن يتعقد، لأنه يتعين على المسؤولين الأمريكيين التنقل بين مرسي و«الإخوان» الذين يتبعون أجندة ديمقراطية بالاسم فقط؛ لتحقيق مسعاها. وكلنا يعلم أن السياسة الأمريكية كانت -حتى وقت قريب- تتركز على الجهاز العسكري القوي. وعامًا بعد عام، ظلت أمريكا تشتري الولاء الاستراتيجي والسلام مع إسرائيل بالمعونة العسكرية والاقتصادية التي تقدمها لمصر سنويًا.


وهذا ما دفع الإدارة الأمريكية للضغط بشدة على المجلس العسكري الحاكم من أجل الاعتراف بفوز مرسي في انتخابات الرئاسة، وأستشعر أن هناك جدلاً محتدمًا داخل الإدارة الأمريكية حول أفضل طريقة للتعامل مع مرسي، وكيفية استغلال المعونة الأميركية. والاتجاه الذي يبدو أنه يختمر في أذهانهم حاليًا هو منهج «الحذر والسير خطوة بخطوة»، من خلال تقديم الدعم الأمريكي لنظام مرسي في الحصول على مساعدات اقتصادية من صندوق النقد الدولي، وكذلك الاتفاق على صفقة لتبادل الديون؛ ظلت مؤجلة منذ وقت طويل، بشرط أن يفي النظام بوعوده في أن يحافظ على السلام مع إسرائيل.

****

وبالرغم من أن العسكر والإخوان المسلمون يحتفظون بأقوى بطاقات اللعب في الوقت الحالي؛ فإن أيًا منهما لا يمكن أن يكون شريكًا قويًا للولايات المتحدة أو يعتمد عليه بمرور الوقت. فلا يخفى على أحد أن أمريكا ليس لها صديق دائم، وتحركها المصلحة فقط، وتتعامل مع الكثير من الحكام والسياسيين والمسؤولين العرب بمنطق السيد والعبد، كما أنها تتعاطَ بحذرٍ مع دول الربيع العربي، وتسعى لاستيعاب تلك القوى الصاعدة.


يأتي هذا في الوقت الذي يحتضر فيه حكم العسكر في العالم العربي والإسلامي، ويعيش مأساة حقيقية غير مسبوقة في التاريخ العسكري لأنظمة الحكم؛ لأن أمريكا والغرب بما فيه البلدان الاستعمارية السابقة لم تعد بحاجة إلى حكم العسكر لضمان مصالحها الإستراتيجية مادامت تستطيع إيجاد أنظمة مدنية تحفظ مصالحها.


أما الإسلاميون بزعامة الإخوان المسلمين تحديدًا فلا خوف لأمريكا والغرب منهم؛ حيث إن التاريخ السياسي وحتى الجهادي لحركة الإخوان في العالم يثبت أن بين الاثنين علاقات واتصالات عميقة؛ استفاد منها كل طرف سواء داخل بلدانهم أو خارجها.


وأوضح ما تكون صور هذا التعاون خلال ما سُمي بالجهاد الأفغاني وظاهرة ما عُرف بـ«الأفغان العرب»؛ حيث قام الإخوان المسلمون بضمان تجنيد العرب في البلدان التي يتواجدون فيها وتحت أعين أنظمة الحكم العسكرية باتفاق أمريكي. ما مكنهم من استثمار استغلال أمريكا لهم، فعوضًا عن أن يناصبوها العداء والتمرد والانتقام؛ نجد الإخوان بالمقابل في انسجام وتوافق تام مع أمريكا والغرب؛ حيث استطاعوا أن يحصلوا من أمريكا مقابل خدماتهم المذكورة على ضمانات أكيدة منها بعدم التعرض لمحوهم سياسيًا ووجودًا من طرف الأنظمة العسكرية والملكية والمدنية الضعيفة؛ خاصة بعد زوال أكبر ظهير للأنظمة العسكرية وهو الاتحاد السوفييتي.

****

الولايات المتحدة اليوم ومعها جزئيًا بعض البلدان الغربية هي وحدها من يقرر استمرار أو توقف حكم العسكر في مصر؛ المطعون في شرعيته شعبيًا؛ والمتناقض ومبادئ الديمقراطية التي تسعى أمريكا إلى تمكين الشعوب العربية والإسلامية منها، على طريقتها طبعًا، أو تقرر أيضًا أن يؤول الحكم إلى المدنيين بزعامة الإخوان المسلمين الذين بينهم وبينها مصالح سياسية مشتركة أكثر ما برزت في تجنيد آلاف الأفراد من مجتمعاتهم نحو الجهاد الأفغاني؛ وكذا مساعدتهم لها من قبل في الحيلولة دون تغلغل الشيوعية والاشتراكية في بلدانهم، إضافة إلى كون أمريكا لا يمكنها السير ضد تيار الربيع العربي وهي ترى حكم الإخوان في تونس والمغرب يبعث على الاطمئنان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق