قد يكون هشام قنديل المكلف برئاسة الحكومة الجديدة شخصا عبقريا ونابغة فى مجاله، لكنه مع احترامى لمسوغات اختياره، ليس الرجل المناسب لهذه المرحلة على الإطلاق.
الناس فى مصر يتوقون لتغيير حقيقى وجذرى، يقوم على قطيعة مع ما فات، ويمنحهم إحساسا بأن جديدا تعيشه البلاد، وأن ثورة وقعت وبدأت آثارها تظهر على وجه الحياة فيها، ومن ثم كان سياق دراما وصول معتقل يوم ٢٨ يناير ٢٠١١ محمد مرسى إلى رئاسة البلاد فى يونيو ٢٠١٢ يستلزم أن يستمر الهواء الجديد فى تدفقه، وأن تتواصل عملية فتح النوافذ والأبواب لتغيير مناخ قاتم مقبض جاثم على قلوب البلاد والعباد.
إن مصر يكاد يقتلها العطش للتغيير الكامل، غير أن هذا لا يعنى أن نأتى لها بوزير رى أو خبير فى المياه، عمل مع حكومة عصام شرف، ثم حكومة الجنزورى، وهو بوجه من الوجوه ينتمى إلى مساحة سياسية تقع بين الثورة واللا ثورة، بين التجديد والجمود، بينما كان المنتظر، وبما أننا فى أجواء توابع ثورة، أن يكون رئيس الوزراء الجديد تعبيرا عن حالة ثورية تتحدى حصار الدولة القديمة، وترفض الاستسلام لمنطق السكون والتطبيع بين ماض كريه ومستقبل يحلم الجميع بأن يكون أفضل.
ولقد استقبل المصريون التسريبات الخاصة بالتفكير فى شخصيات مثل فاروق العقدة وحازم الببلاوى ومحمود أبوالعيون بشىء من الشعور بالإحباط، كون هذه الأسماء ــ بدرجة أو بآخرى ــ تعبر عن ماض، آكثر مما تبشر بمستقبل، أو هى فى أفضل الأحوال تمثل حاضرا ينتمى إلى ما فات على نحو أعمق من ارتباطه بما هو آت، حتى لو كانوا علامات فى تخصصاتهم.
وليس صحيحا على إطلاقه أن طبيعة المرحلة الراهنة تتطلب رئيس وزراء غير سياسى، بل تكنوقراط، وربما كان العكس هو الصحيح، لأن ما تحتاجه مصر فى هذه اللحظة المرتبكة هو نظام سياسى يحتشد بروح وقيم ثورة قامت من أجل التغيير، ويمتلء إيمانا بجدارة البلاد بالانعتاق من أسر نظام قديم لايزال يعافر كى يبقى مسيطرا على مقاليد الأمور.
وأزعم أنك لو أتيت بأمهر خبراء العالم فى الاقتصاد والزراعة والصناعة وأسندت إليهم القيادة والإدارة فى مرحلة انتقالية تعقب ثورة فلن ينجحوا فى مهمتهم إلا إذا كانت منطلقاتهم فى العمل فكرية وعقائدية، أكثر مما هى تقنية وعلمية.
وأمامنا مشكلة القمامة والكهرباء والبوتاجاز نماذج صارخة بأنه طالما بقيت الثورة كفكرة ومعتقد بعيدة عن رءوس التنفيذيين ستبقى ماكينة صناعة الأزمات قادرة على الإنتاج وبطاقة مدمرة لكل آمل فى التغيير، ويخطئ كثيرا ــ بل يجرم فى حق نفسه وحق مصر ــ من يتصور أن ما تسمى بالدولة العميقة أو القديمة سوف تستسلم بسهولة لرياح التغيير، ومن لم يقرأ فيما يجرى الآن ملامح انقلاب صامت تمارسه بقايا النظام القديم على الرئيس الجديد فهو واهم.
ومهما يكن فإن أحدا لا يملك إلا أن يتمنى لرئيس الحكومة الجديد النجاح فى مهمته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق