لم يستوعب الإخوان المسلمون دروس التاريخ جيدا، وهم يبذلون كل جهودهم لتمرير ممثلهم السيد محمد مرسى إلى كرسى رئاسة الجمهورية، ثم يحتفلون بنجاحهم فى تحقيق هذا الهدف، لأنهم لو فهموا هذه الدروس لخافوا أن يكون وصول مرسى إلى قمة النظام هو المسمار الأول فى نعش الجماعة.
هل سأل الإخوان أنفسهم عن أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين استمروا إلى جانب الرئيس جمال عبد الناصر بعد سنوات قليلة من توليه الحكم، وقد كانوا جميعا أصدقاء ورفقاء سلاح وشركاء تنظيم سرى واحد، وهل تذكروا مشهد انقلاب الرئيس السادات فى مايو 1971 على أقطاب السلطة الذين وضعوه على عرش مصر قبل 7 أشهر فقط.
لا يمكن أن نتعامل مع الرئيس بمعزل عن منصبه والقصر الذى يحكم منه والمقعد الذى يجلس عليه والمؤسسة التى يديرها، ولو تأملنا مشهد الرئيس محمد مرسى وهو يلقى بيانه للشعب المصرى بعد ساعات قليلة من إعلان اللجنة العليا للانتخابات فوزه سنجد بوضوح أنه ليس نفس المرشح محمد مرسى الذى وقف قبل خمسة أيام فقط فى الرابعة صباحا ليعلن نجاحه.
الرئيس يقف أمام الكاميرا منفردا، وأما المرشح فكان محاطا بالكثيرين من قيادات حزبه نعرف بعضهم ولا نعرف البعض الآخر وقد لا يعرفهم هو نفسه يتقاسمون جميعا الصورة معه.
الرئيس يلقى بيانه من أوراق أعدت مسبقا وتمت مراجعتها من أكثر من جهة، وليس كلاما ارتجاليا أو أوراقا أعدت قبلها بلحظات.. الرئيس مرسى يقف خلف منصة رئاسة الجمهورية وينقل بيانه التليفزيون المصرى فقط، وينقل العالم عن التليفزيون الرسمى للدولة على عكس الدكتور مرسى المرشح للرئاسة وأمامه عشرات الميكروفونات لفضائيات المجهول منها أكثر من المعلوم.
الرئيس بعد إلقاء البيان يستقل سيارته الجديدة (سيارة الرئاسة) منفردا ومعه حراسته الخاصة فقط، بينما المرشح فى اليوم السابق مباشرة قد يكون جلس على المقعد الأوسط الخلفى فى سيارة شخص ما، أو قاد سياراته الشخصية ومعه أصدقاؤه ومعارفه.
كل هذا الفارق بين الدكتور محمد مرسى مرشح حزب «الحرية والعدالة» والرئيس محمد مرسى رئيس جمهورية مصر العربية بعد خمس ساعات فقط من إعلان نتيجة الانتخابات.
فماذا بعد عام؟
كيف سيتصل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بصديقهم وأخيهم القديم، فالرئيس لا يحمل تليفونا محمولا؟ سيتصل المرشد العام أو الشاطر أو غيرهم بالسكرتارية الخاصة بالسيد الرئيس لتحديد موعد، الذى لا شك سيكون فوريا فى الأيام الأولى ثم لاحقا بعد فترة ثم فى ما بعد بعد فترة أطول، وماذا سيكون موقف من تأخر تحديد موعدهم تجاه الرئيس؟
لن يحضر الرئيس اجتماعات مكتب الإرشاد أو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة. فإذا حاول فى البداية تقريب بعضهم إلى بطانته سيتم اتهامه من قبل بعض القوى الوطنية بالمحسوبية لأعضاء جماعته وحزبه، وإن لم يكن فمن سيكون ندماء الرئيس؟ ومن سيكون مستشاريه؟ من سيكون شركاءه فى صناعة القرار؟
كيف يقبل الرئيس أن تكون هناك سلطة أعلى منه سواء مرشد أو مجلس شورى جماعة أو مكتب إرشاد؟ ربما لن يقبل منهم إلا المشورة فى الأيام الأولى ثم النصيحة ثم عرض وجهة النظر فقط فى أحسن الأحوال فى ما بعد حتى وهو مبايع على السمع والطاعة.
الذى بايع فى الماضى هو الدكتور محمد مرسى الأستاذ بجامعة الزقازيق، لكن الرئيس لم يبايع. وهو بعد شهور قليلة قد يشعر أن الجماعة صارت عبئا كبيرا على السيد الرئيس.
من أين يأتى الرئيس بالمعلومات؟
الأجهزة الأمنية والرقابية والمعلوماتية كلها تقدم تقاريرها للسيد الرئيس، وكلما زادت حكمة الرئيس تنوعت مصادر معلوماته، وإن كان من المؤكد أنها فى جميعها ستتفق على عدم شرعية ومشروعية أعمال وأنشطة جماعة الإخوان المسلمين ورجالها ونظامها الخاص الذى بالتأكيد كان مؤيدا من السيد محمد مرسى، لكنه بالتأكيد أيضا لن يؤيد من الرئيس محمد مرسى.
وماذا عن ملفات الرئيس؟
وبفرض رغبة النظام فى إطلاع الرئيس على جميع الملفات، فهناك الكثير من المعلومات المحجوبة عن العامة وعن الرأى العام لدواع كثيرة منها السرية، والأمن القومى ومواقف تفاوضية.. إلخ. وقدر كبير من هذه المعلومات المحجوبة تصنع القرار الذى قد لا يوافق الرأى العام.
فماذا سيكون تصرف الرئيس الجديد؟ هل سيطلع الجماعة والرأى العام على المعلومات المحجوبة، ويضر المصلحة الوطنية؟ أم سيفضل عدم تفسير أسباب اتخاذ القرار وحدوث أجواء من الشك والريبة بين الرئيس وقيادات الجماعة وقواعدها.
الفارق كبير جدا بين السيد محمد مرسى والرئيس محمد مرسى.
لقد قرر النظام الابتعاد عن الصراع، فالصدام مع الجماعة وأن يسلم كرسى الرئاسة المتنافس عليه إلى ممثل الإخوان المسلمين فى الانتخابات الرئاسية ثم يقوم النظام باختطاف الرئيس من الجماعة، اختطافه لصالح النظام.
الأيام قريبة.. وأظن أن صدور قرار حل جماعة الإخوان المسلمين بفرض وجودها قانونا سيكون فى عهد الرئيس محمد مرسى، وقرار القبض على خيرت الشاطر سيكون موقعا من الرئيس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق