نوارة نجم
هذه شهادتى على ما حدث فى اعتصام وزارة الدفاع، أكتبها وأنا أنتظر بين الفنية والأخرى ضبطى وإحضارى بتهمة التحريض على اعتصام وزارة الدفاع، وهى تهمة أشرف بها ولا أنفيها، بالفعل، لقد أكرمنى الله بالمشاركة فى اعتصام وزارة الدفاع، وألهمنى أن أدعو الناس للمشاركة فى الاعتصام على حسابى على موقع التواصل الاجتماعى الـ«تويتر».
تبدأ الأحداث من احتجاجات لأنصار حازم أبو إسماعيل ضد استبعاده، لم أشارك فيها لعلمى اليقينى بكذبه، وتشككى الشديد فيه وفى نواياه، بل وفى الجهة التى يعمل لصالحها، وثقتى الكاملة فى نزاهة أنصاره، وبراءتهم، وربما سذاجتهم الثورية، التى لها مبررات تاريخية، فالتيارات السلفية على اختلافها، تيارات منعزلة، بسبب ما كانت تعانيه من حصار فى زمن المخلوع، وكان من الطبيعى حين يفتح الباب للمشاركة الثورية، أن تأتى هذه التيارات بأفعال وأقوال تجعل البعض يظنهم غريبى الأطوار، لكن بالفعل هم ليسوا غريبى الأطوار، بمعنى، ما بيطلعلهمش ذيل، ما بيتحولوش بالليل، ناس عادية زى أى ناس، لكن طول الكبت والعزلة مع قلة الخبرة السياسية جعلهم يتعطشون لقيادة متحمسة تكون منهم، فعلق جزء كبير منهم الأمل على حازم أبو إسماعيل صاحب الخطاب الثورى، الذى ينفى عن السلفيين صفة الجبن التى أشيعت عنهم خصوصا مع مواقف كثير من مشايخهم المخزية حيال الثورة، وقلة مشاركتهم فى المواجهات والمعارك إلا القلة من الجبهة السلفية والتيار الإسلامى. أضف إلى ذلك شعور بالاضطهاد دام عشرات السنين، كل هذه الظروف جعلتهم يصدقون اللا معقول الذى قاله حازم أبو إسماعيل بخصوص انتفاء الجنسية الأمريكية عن والدته، ويكذبون كل الأدلة والشواهد التى تؤكد كذبه. خلاص كده؟
على الرغم من اقتناعى بكذب حازم أبو إسماعيل، ورؤيتى لنذالته التى طالت أنصاره، فإننى كنت متحمسة بشدة لاعتصامهم فى ميدان التحرير، لأن العمل الميدانى يصقل الخبرة السياسية، ويطور الفكر، ويخرج الإنسان من المساحة الضيقة التى تشغل تفكيره، ولم يدخل أحد اعتصاما بالميدان وخرج منه كما كان. الخلاصة... كان ينقص بعض السلفيين الذين تحمسوا لأبو إسماعيل شوية مرمطة تنشف عودهم، وهو ما حدث بالفعل. لم أشارك فى الاعتصام، لكننى كنت أزوره وأرحب بالمناقشات، وكان من فى الاعتصامات يقومون بمسيرات ليلية مختلفة ثم يعودون إلى ميدان التحرير، وكانت بعض القوى الثورية تشارك فى هذه المسيرات لاتفاقها مع الشعارات المرفوعة بعيدا عن اختلافها مع أنصار أبو إسماعيل فى موقفها منهم، فشارك البعض فى مسيرة إلى مبنى ماسبيرو اعتراضا على زيف الإعلام، كما شاركوا فى مسيرة إلى وزارة الدفاع ضد الحكم العسكرى للبلاد.
وصلت المسيرة إلى الخليفة المأمون، وتوقفت قبل بوابات جامعة عين شمس، ثم أعلن البعض عن النية للعودة للميدان بعد أن وصلت الرسالة، فاعترض أغلب الشباب الذين أخذوا بالأعداد الكبيرة، وانتشوا بالوصول إلى هذا المكان القريب من وزارة الدفاع، وشعروا بانتصار لروح الشهيد محمد محسن الذى استشهد فى ميدان العباسية، وكان يشارك فى مسيرة قاصدة وزارة الدفاع، هتف الشباب بالاعتصام، وتخوف بعضنا من الانقسام، فأشرنا إلى الاتفاق على أى قرار، فإما أن يرحل جميعنا، أو يبقى جميعنا حتى لا تنفرد قوات الجيش بمجموعة صغيرة منا وتقتلها، كالعادة، ما هم كل ما يشوفوا خلقتنا يقتلونا. استقرت الأغلبية على الاعتصام، وسعدت أيما سعادة وأنا أشارك فى أول اعتصام بجوار وزارة الدفاع، مع أعداد غفيرة من المعتصمين، ومرت الليلة الأولى من الاعتصام بسلام، وكان المعتصمون يتبادلون الضحكات والنكات مع عساكر الجيش والضباط، ولم يحاول أى شخص الاحتكاك بقوات الجيش، بل على العكس، حين حاول أحد الأفراد التطاول لفظيا على ضابط من قوات الجيش، تكاتف المتظاهرون وأخرجوه واعتذروا للضابط. وطلب أحد أعضاء «حازمون» من الجيش فى الميكروفون إفساح الطريق قائلا: إحنا بنطلب من الإخوة الضباط العسكر إنهم يفتحوا لنا الطريق. وحين رفضت القوات استسلم الرجل ولم يعد الكرة.
مر اليوم الأول بهدوء، وقلت على حسابى على «تويتر» إن هذا هو أول اعتصام لنا قرب وزارة الدفاع، وإن علينا التآزر لإنجاحه، فهو عمل ثورى، كما أن البلد بلدنا، نتظاهر مكان ما نحب وقت ما نحب، ومطلب الاعتصام هو إسقاط حكم العسكر، وعدم إجراء الانتخابات الرئاسية تحت الحكم العسكرى، إلى جانب حل اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة وتشكيل لجنة جديدة من القضاة المستقلين للإشراف على الانتخابات الرئاسية فى موعدها، وتعديل المادة 28 من الإعلان الدستورى. تحمس البعض للمشاركة فى الاعتصام، وتردد البعض الآخر، بينما أحجم كليا بعض ثالث بدعوى أن الاعتصام يصب فى صالح حازم أبو إسماعيل... وكتاب الله يا بنى انت وهو وهى ما شوفنا حازم أبو إسماعيل ده ولا سمعنا عنه خالص طول الاعتصام، فين يا ولاد أبو إسماعيل الثورى النورى الكلامنجى؟ عنده واوا فى رجله... طااااب ربنا يشفيه... عموما خليه هو ما بيجيش من وراه غير المصايب، بأمارة محمد محمود لما سابنا وخلع.
بدأت المناقشات فى جدوى الاعتصام، واختلف الناس حول تعديل المادة 28، وبشكل شخصى، فإننى أوافق على المطلبين: تسليم السلطة لحكومة ائتلافية وإعادة تشكيل اللجنة الانتخابية للإشراف على الانتخابات الرئاسية فى موعدها، إلا أننى لا أرى عدالة فى المطالبة بتعديل المادة 28 والتى وافق عليها الشعب فى استفتاء، ولا يمكن إلغاؤها أو تعديلها إلا باستفتاء آخر. كان يمكن للمناقشات أن تتمخض عن نتائج إيجابية بشأن الاعتصام لولا بدء الهجوم على الاعتصام من قبل البلطجية، فانشغلنا بصد الهجوم عن مناقشة المطالب أو حتى اتخاذ قرار بشأن الاستمرار فى الاعتصام من عدمه. لم يعد من الممكن الانسحاب فى ظل الهجوم المستمر على المعتصمين بشكل يومى، وقد حضرت المعركتين الأولى والثانية، وفاتنى حضور المذبحة التى استشهد فيها صديقى وجارى فى الخيمة فى كل الاعتصامات، عاطف الجوهرى.
عادة ما كان يبدأ الهجوم بعد منتصف الليل، كان الهدف الرئيسى من الهجوم هو سحب المعتصمين خارج الاعتصام وحتى ميدان العباسية، ثم استدراجهم فى الشوارع الجانبية وسط المساكن وإمطارهم بالحجارة والمولوتوف والخرطوش والمقاريط والطورط (مش فاهم آخر كلمتين دول ابقى انزل معانا الخناقة الجاية وانت تعرف إيه دول) فى الحوارى والشوارع الجانبية، كما قام أحد البلطجية بإشعال النيران فى إحدى الشرفات، وحاولوا إشعال النيران فى محطة البنزين الموجودة بين شارع رمسيس وميدان العباسية. تمكن الشباب من تصوير البلطجية الذين كانوا يطلقون الرصاص الحى على المعتصمين، ونشروا صورهم على موقعى التواصل الاجتماعى «تويتر» و«فيسبوك»، ولم يتحرك الجيش الصنديد ولا أشاوس الشرطة للقبض عليهم، كما قام الشباب بإلقاء القبض على عديد من البلطجية، الذين تكشف لنا أن بعضهم يحمل بطاقة الحزب الوطنى المنحل، والبعض الآخر يعمل بوزارة الداخلية وبعضهم تحريات عسكرية، كما اعترف بعض البلطجية المحترفين الذين قبض عليهم المعتصمون بأن الشرطة والجيش هما من نسقا معهم للهجوم على الاعتصام، وقام المعتصمون بنشر فيديوهات تحمل اعترافات هؤلاء البلطجية، وصوروا بطاقاتهم، وبالطبع لم يخرج علينا اللواء الملا ليتوعد هؤلاء...
حد بيتوعد رجالته؟
المعركة الأولى، ليل 28 أبريل، فجر 29 أبريل:
كنت فى منزلى القريب من الاعتصام حين سمعت أصوات إطلاق خرطوش ومقاريط، نزلت على الفور وسرت حتى مسجد النور، حيث كانت الخطة سحب المعتصمين إلى داخل الحوارى، ولأن الأعداد كانت كبيرة، فكان البلطجية يهتفون «إيد واحدة» بمجرد نفاد ذخيرتهم، ثم يبدأ العراك بين المعتصمين، حيث يرد السلفيون على البلطجية: إيد واحدة، بينما يمنعهم شباب المعتصمين الذين لهم خبرة أكبر فى المواجهات، مؤكدين أن البلطجية يقومون بخدعة متكررة لنفاد ذخيرتهم، ثم ندخل فى جدل عقيم ونحن نقف مكاننا: -يا عم الشيخ كدابين- يا أخى إن بعض الظن إثم.. إحنا كلمناهم وأقنعناهم بقضيتنا.. -يا عم قضية إيه دول داخلية انت فاكرهم أهالى؟ *** الشيوخ دول هبل وبيصدقوا كل حاجة وحيـ**** كلنا.. كل ذلك ونحن وقوف فى مكاننا حتى يعاود البلطجية لإطلاق الخرطوش والرصاص، فيصاب عدد كبير من «الشيوخ» المبتسمين فى وجه البلطجية، بينما يسعفهم الشباب ويشرعون فى قذف الحجارة: مش قلت لك يا عم الشيخ ده ولاد **** احنا عارفينهم.
واستمرت المعركة بين كر وفر حتى الصباح، فاختفى البلطجية، مع أنباء عن استشهاد أربعة. عن نفسى لست متأكدة سوى من استشهاد اثنين رأيت صورتيهما بعينى رأسى.
المعركة الثانية، ليل 29 أبريل، فجر 30 أبريل:
طبق الأصل العلقة الأولانية، لا قلم زاد ولا قلم نقص. إلا أن الأعداد بدأت فى التناقص بسبب المناقشات العدمية حول جدوى الاعتصام، والتخوف من الإسلاميين، والتساؤل عن نذالة أبو إسماعيل، ما هو ندل خلاص عرفنا... الناس بتنضرب. وأنى لى أن أترك الناس وهى تواجه الموت؟ وكيف لى أن أسأل ذلك السؤال الأزلى الحقير، الذى إن دل على شىء فإنما يدل على فقر النخوة وانعدام الإنسانية: مين اللى هناك؟ مين اللى فى التحرير؟ مين اللى فى ماسبيرو؟ مين اللى فى محمد محمود؟ مين اللى فى مجلس الوزرا؟ مين اللى عند وزارة الدفاع؟
بنى آدمين.... بنى آدمين يتعرضون للاعتداء والقتل المنظم يا بنى آدم إن كنت من بنى آدم يا بنى آدم.. قطعت وقطعت تربيتك.
ما مطالب الاعتصام؟
مالوش مطالب على فكرة.. نازلين ياخدوا تانى.. هل هذا يبرر ضربهم وقتلهم؟ وكيف لى أن أتخلى عن أناس يتعرضون للحصار والبلطجة والقتل؟ أمى ست شريفة وجايبانى من أبويا واللى فى وش أبويا ده شنب مش أبو شبت... ولم أتعلم أن أترك العزل المستنجدين المستغيثين بى يقتلون دون أن أساندهم، وكل واحد أدرى بأصله وبأمه وباللى فى وش أبوه.
المعركة الثالثة، ليل 30 أبريل، فجر 1 مايو:
لم تكن معركة بالمعنى المتعارف عليه، إذ يبدو أن قوات الشرطة والجيش آثرت الراحة فى ذلك اليوم تمهيدا لمذبحة فجر 2 مايو، اقتصر اليوم على اختطاف عدد من النشطاء، سأحاول لاحقا تحديد أسمائهم، إن كان فى العمر والحرية بقية، وقضى الشباب الليل فى تأمين الاعتصام والبحث عن المختطفين.
على الرغم من همة الشباب فى القبض على المندسين والبلطجية، فإن الاعتصام كان به عناصر للتحريات العسكرية، معلش أنا وش اعتصامات وخلاص أخدت خبرة فى التحريات، وأصبحت أعرفهم بمجرد وقوع نظرى عليهم تماما كما أعرف عناصر أمن الدولة، يلبس شاب روش، يلبس سلفى، يلبس جن أزرق، خلاص، لهم طلة كده بتعرفهم بيها. مع وجود عناصر التحريات العسكرية، انتشر خبر أن الاعتصام به أسلحة، والخبر كان يأتينى هكذا: نوارة نوارة.. العيال الجهاديين معاهم سلاح! ولحرصى الشديد على سلمية الثورة، ليس فقط من منطلق أخلاقى، إنما أيضا من منطلق استراتيجى، فحمل السلاح داخل البلاد ليس له اسم آخر غير الحرب الأهلية، فإن كانت ثورة فأنا أشارك فيها، أما الحرب الأهلية فكل الأطراف فيها مجرمة، ولست أشارك فى جريمة، لذا فقد طلبت ممن يبلغنى بخبر وجود السلاح أن يدلنى على مكانه لأخرج هذا السلاح بنفسى من الاعتصام، فكانت تأتينى الإجابة: مش عارف هو فين.. بس العيال بتقول!
ثم رأيت السلاح.. كان ذلك فى فجر 30 أبريل، حين اقترب منى أحد المعتصمين وقال: نوارة ما تصوريش، ثم أخرج مسدس صوت وأطلق عيارين فى الهواء. ضحكت ملء شدقى وقلت: هو ده السلاح وعامل لى رامبو وما تصوريش؟ مسدس صوت؟ طب مالوش لازمة ده عشان حتتصور بيه وحتلبسنا مصيبة من غير داعى.
مذبحة فجر 2 مايو:
العذر الذى منعنى من حضور مذبحة فجر 2 مايو عذر ربما يكون مضحكا، إن كان لك نفس تضحك، فقد كنت مشاركة فى برنامج على قناة «الجزيرة»، حيث ذهبت وعدت من موقع التصوير بسيارة القناة، وكان السائق يقود السيارة بشناعة، مما أصابنى بالدوار الشديد فاضطررت للنوم -وأنا لا أنام إلا مضطرة- ثم استيقظت فى السادسة والنصف صباحا على المجزرة، ونزلت على الفور لأصل إلى ميدان العباسية فى السابعة صباحا، حين بدأت معركة أخرى فى موقف حافلات العباسية. كان الغضب يملأ المعتصمين بسبب تصريح بعض النشطاء بأن من بين المعتصمين حملة سلاح، وانفجروا يتشاجر بعضهم معى إذ إن المصرحين بذلك من أصدقائى، بالطبع لم أرد... حارد عليهم أقول يعنى؟ حطيت جزمة فى بقى وسكت، ثم لحقت بمعركة موقف العباسية. استخدم البلطجية الخرطوش والحى والمقاريط كالعادة، ولم يستخدم المعتصمون سوى الحجارة، وأشهد بسمعى وبصرى أمام الله أننى لم أر سلاحا من جانب المعتصمين فى معركة موقف العباسية، وتصدى الشباب ببسالتهم المعهودة فى المواجهات، حتى إن حامل الراية قد أصيب عدة مرات، وفى كل مرة كان يعاود الوقوف وحمل الراية مرة أخرى غير آبه لإصابته.
علمت باستشهاد صديقى عاطف الجوهرى وغيره من أعضاء 6 أبريل وحازمون والوايت نايتس (ألتراس زمالك) وريد ديفلز (ألتراس أهلى) وعدد من المستقلين من كل التيارات. كما قتل بعض من الأطباء المسعفين الذين لا أعلم عددهم بالتحديد.. كلهم استشهد فجر ذلك اليوم.
ظللت واقفة فى معركة موقف العباسية حتى انتهت، وبالمناسبة بقى، عمرك ما تعرف المعركة كيف تبدأ وكيف تنتهى، المعركة تبدأ وقت أن يقرر البلطجية الهجوم، وتنتهى وقت أن يقرر البلطجية الانسحاب، واحنا قاعدين شبكة فى النص، ننضرب واللى فى البيوت يشتمونا، وكل ما يشوفوا خلقة أبونا يقولوا لنا: ما ترجعوا التحرير! وكأن التحرير لم يقتل به أحد قبل ذلك! أفكركم؟
حين كنا فى ماسبيرو قال الناس: الأقباط بيضربوا الجيش... أحسن إنه قتلهم.
وكنت حاضرة المذبحة فقلت من قلبى: حسبى الله ونعم الوكيل اللى يرضاها يشوفها على عياله.
ثم كنا فى محمد محمود، فقال الناس، هم ذات نفس الناس: إيه اللى موقفكم عند محمد محمود؟ ما ترجعوا التحرير.
وكنت حاضرة للمذبحة، فقلت: حسبى الله ونعم الوكيل.. الظالم يشوفها على عياله.
ثم كنا فى مجلس الوزراء، وتعرت ست البنات، فقال الناس، هم هم بذاتهم: إيه اللى وداها هناك؟
فقلت: إلهى تشوفوها على بناتكم.
ثم مذبحة الألتراس فى استاد بورسعيد، فحمل الناس، اللى هم نفسهم الناس اللى فاتت، المسؤولية لبورسعيد على الرغم من الشواهد التى تؤكد تواطؤ الأمن، وحين ذهب الشباب غاضبا إلى شارع منصور وحدثت مجزرة محمد محمود الثانية، قال الناس... هم ولاد الـ... ذات نفسهم: واقفين ليه هناك؟ ما ترجعوا.
فقلت: إلهى وأنت جاهى أشوف فيكم يوم يا بعدا.
وأخيرا، مجازر وزارة الدفاع المتتالية، يعلق عليها، ذات نفس الناس اللى مش ناس ولا يعرفوا عن الإنسانية ولا عمرهم سمعوا بيها ولا عدت من الشارع اللى جنب شارع بيتهم: وإيه اللى وداهم عند الدفاع ما يرجعوا التحرير! ولو عدنا إلى التحرير وقتلنا لقالوا: ما ترجعوا البيت. ولو قتلنا فى بيوتنا سيقولون: ما تدخلوا البلاعة.
طب ما تخافوا من ربنا بقى، بدل ما أنا كل شوية أحسبن عليكم وأقول اللى يرضاها يشوفها على عياله، وبعدين أنزل أنا ورا عيالكم وأقعد أعيط.
بعد مجزرة فجر 2 مايو حدثت هلاوس سمعية وبصرية، تبين بعد ذلك كذبها.
مثلا، قال بعض الناس الذين قيل إنهم من سكان العباسية بأن بعض الملتحين كانوا يقتحمون المنازل عليهم ويقتلونهم. وأنا لا أكذب الحدث، لأن الزملاء الذين ذهبوا إلى المشرحة بالفعل عثروا على خمس جثث لشباب من سكان العباسية، ولا أكذب، أو أصدق، شهادة بعض الشهود بأن ملتحين اقتحموا البيوت وقتلوا الأبرياء، لكننى أعلم تمام العلم أنهم ليسوا من المعتصمين، وأنهم أجهزة الأمن والاستخبارات بالضلوع فى ذلك، كما فعلوا فى ماسبيرو، حيث وقف عدد من الملتحين على مدرعات الجيش قرب المستشفى القبطى. لم يتمكن المعتصمون من ملاحقة البلطجية أو حماية الاعتصام كما ينبغى، فكيف لهم أن يمتلكوا من الجرأة والفسحة فى الوقت لاقتحام المنازل؟ ثم بصراحة الملتحون دول غلابة قوى، كما إنهم قليلو الخبرة فى ما يخص المواجهات سواء مع البلطجية أو مع قوات الأمن أو الشرطة العسكرية، فقد أخبرنى أحد شباب الثورة ضاحكا فى خضم المعركة: يا ستى شوفى الشيوخ دول.. ماسكين طوب قد البلى يحدفوه، أقوله إيه يا عم الشيخ ده أنت فاكره رمى الجمرات؟ قال لى أصل حرام الطوب الكبير بيعورهم احنا عايزينهم يمشوا ويسيبونا بس.
ثم حذر الدكتور محمد البلتاجى، على قناة «النهار»، مؤكدا أن عددا من الميكروباصات يقوم بتحميل البلطجية من أمام قسم الوايلى، ويقوم القسم بتسليحهم بالسلاح الآلى، كما أكد شكوكى فى ما يخص مقتحمى المنازل، حيث قال إن لديه معلومات بأن مقتحمى المنازل هم من عناصر الأمن، فالخطة هى إحداث وقيعة بين المعتصمين وسكان المنطقة، ليعتقد المعتصمون أن سكان المنطقة هم من يهجمون على الاعتصام، ويعتقد السكان أن المعتصمين هم من يداهمون المنازل.
لم تكن رواية البلتاجى هى الوحيدة التى تحذرنا من قيام قسم الوايلى بتسليح البلطجية، فقد روى شهود عيان كثر هذه الرواية، وقد شاهدت بنفسى عددا من البلطجية يحاصرون مستشفى دار الشفاء، وذهبت إلى مستشفى الدمرداش للتبرع بالدم فعلمت أن المستشفى رفض استقبال الجرحى، وسمعت روايات عن ذبح الجرحى فى مستشفى دار الشفاء، لم أشاهد الذبح، لكننى شاهدت حصار المستشفى وقطع الطريق.
ظننا أن القسم يسلح البلطجية للهجوم علينا قبل يوم الجمعة، فرابطنا فى الاعتصام ليلتى 3 و4 مايو، ومرت الليلتان بسلام، وقضيناهما فى فض الاشتباكات بين شباب الثوار والسلفيين، حيث تبدأ الاشتباكات كالتالى:
يجلس أحد شباب الثورة مع أصدقائه ويقول مازحا: دى حاجة بنت دين...، الأمر الذى يتصادف مع مرور أحد شباب السلفيين الذى يتوقف زاجرا الشاب: ما تسبش الدين يا أخ.. فيجيبه الأول: وأنت مال دين ***؟ فيرد السلفى بغضب: باقولك ما تسبش الدين يابن الـو***، فيعلو صوت الأول: أنا ابن و***؟ أنت اللى ابن *****.. فيتجمع الناس: صلوا ع النبى يا جماعة.. إيد واحدة.. إيد واحدة.. يسقط يسقط حكم العسكر، ثم تتحول العركة إلى مسيرة تجوب الاعتصام ضد حكم العسكر، كل تلات ساعات على الله الحكاية دى بتتكرر.
لا أحب الاعتصامات والتظاهرات فى النهار، بسبب الازدحام، واستيقافى من بعض الناس متسائلين: وآخرتها يا أستاذة؟ احنا رايحين على فين يا أستاذة؟ وأنا الحقيقة لا أحسن الإجابة عن السؤالين، أنا إيش عرفنى، ما أنا قاعدة معاكم أهو.
لذا، فقد أحجمت عن النزول فى نهار 4 مايو، ظنا منى أن البلطجية والأمن والجيش لن يجرؤوا على ضرب كل هذا العدد... كما تعودنا يعنى. هو صحيح اللواء مختار الملا قال فى مؤتمر صحفى عقده مع اللواءين العصار وشاهين: من يقترب من عرين الأسد «يحظظظررررر يحظظظظظرررررر يحظظظظظرررر»، قصده «يحذر» بس كان بيخوفنا. إلا أن اللواء الملا كان يتحدث عمن يريد اقتحام وزارة الدفاع، ولا أحد يريد اقتحام وزارة الدفاع، لم يرغب أحد من قبل فى اقتحام ماسبيرو أو الداخلية، ولم ولا يرغب أحد فى اقتحام الدفاع... أصل حنقتحم نعمل إيه؟ نتنطط على الكنب ونتشعلق فى النجف؟ وأيا كان عدد المعتصمين، كيف لنا أن نقتحم منشأة عسكرية؟ دول يفجرونا وينفجروا معانا، وإن كانت رغبتنا ضئيلة فى الحياة، فليس لدينا أى رغبة فى الانتحار، عادة ما نتظاهر أمام المنشأة للتعبير عن اعتراضنا على أدائها، ولم ولا ننتوى اقتحامها، ببساطة لأننا مش عارفين لو اقتحمناها حنعمل إيه جوه، إلا إذا شربنا العصير اللى فى التلاجة.
ثم علمت ببدء الاشتباكات بين المتظاهرين والشرطة العسكرية فنزلت على الفور، وعلمت بأن الاشتباكات بدأت حين قامت الشرطة العسكرية باعتقال أحد المتظاهرين دون سبب واضح، اللهم إلا حمله للافتة كتب عليها: يسقط حكم العسكر، كما يمكن للقارئ أن يحمل الفيديو لبدء الاشتباكات، ليرى بنفسه أن قوات الشرطة العسكرية هى من اعتقلت الشاب، وحين هاج الناس اعتراضا، رشتهم بالمياه، ثم بدأت فى قذفهم بالحجارة، فبدأ الشباب فى الرد.
حيث إننى لا أجيد قذف الحجارة، إذ إننى عادة ما ألقى بالحجارة على رأس الثوار، أو ألقى بها فوق قدمى، فإننى حاولت تكسير حجارة لمساعدتهم، فزعقوا لى وقالوا لى: بس يا نوارة... امشى يا بنتى أنت خيبة. طب أعمل إيه ما باجى أكسرها مش بتتكسر، لذا فقد وقفت أصور وأنقل الأخبار على «تويتر» حتى بدأت قوات الشرطة العسكرية بإلقاء القنابل المسيلة للدموع، وهى من نفس نوع القنابل الحارقة التى كانت تلقيها الداخلية على المتظاهرين فى شارع منصور عقب مذبحة بورسعيد، ثم بدأت القوات فى الاقتحام وإطلاق الخرطوش والحى وإحراق الخيام على المتظاهرين... مثل كربلاء كده. كان يتملكنى الذهول من تجرؤ الشرطة العسكرية على مهاجمة كل هذه الأعداد الغفيرة من المتظاهرين، ثم ظهر الموكوس بتاع مسدس الصوت، يا عم اتنيل بقى بالهباب اللى انت ماسكه فى إيدك ده... آآآآآآآآآآآآآآآآهههههههه... واجرررريييى... والناس تجرييييى، وطفل محمول على الأعناق، مصاب، يبكى ويصرخ، حتى خرج بعضنا إلى محيط مسجد النور وخرجت أنا مع المجموعة التى خرجت نحو برج «مسير ترافل»، ودول إنهم يسكتوا؟ أبدا، ظلوا يلاحقوننا بالرصاص الحى حتى خرجت مع مجموعة نحو أكاديمية الشرطة، ظن الناس أن ما فعلناه حماقة، إذ إننا حاصرنا أنفسنا بين الشرطة والجيش، إلا أنه تبين لنا أن ما ألهمنا به الله هو عين العقل، فما كان لقوات الجيش أن تمطر أكاديمية الشرطة بالرصاص الحى، أما الشرطة فوقفت ساكنة، ينظر بعضهم إلينا نظرة شفقة... آه والله العظيم.. تصوروا صعبنا ع الكافر. وحين هتف بعضنا فى مواجهة قوات الشرطة التى كانت تحمى الأكاديمية، هز بعضهم رأسه، قائلا لنا: معلش، حتى خرجنا إلى صلاح سالم ومنه إلى ميدان التحرير، فوصلنا لنجد «الجماعة» بتلم شنطتها وماشية... رجااااالة طول عمرهم.
ظللت أتساءل السؤال الأزلى، أين كانت تلك القوات التى تحمى «عرين الأسد» الذى اكتشفنا إنه بوابة مستشفى عين شمس التخصصى، حيث لم يقترب المتظاهرون من وزارة الدفاع، ولم يتجاوزوا بوابة المستشفى الرئيسى، طيب أين كانت هذه القوات فى مذبحة بورسعيد؟ بل أين كانت ونحن نواجه البلطجية الذين دأبوا على اقتحام اعتصامنا؟ وأيهما أغلى لدى «الأسد» أبو عرين المنشأة أم البشر؟
طبعا سؤال غبى والإجابة معروفة.
هرب البعض الآخر ناحية مسجد النور ولطفى السيد ورمسيس وحوصر جميعهم، وقام النشطاء بتصوير فيديو لأحد المسلحين الواقفين فوق مسجد النور وهو يضرب نحو الجيش، ثم وقف بجوار الجيش حين اقتحم المسجد، طلع تبعهم! حاول بعض الشباب التسلل والهروب من الحصار الذى ضربه بعض البلطجية المسلحين على جانبى لطفى السيد ورمسيس وميدان العباسية وفى شوارع العباسية، وهنا عرفنا سر المعلومة التى أدلى بها كل من البلتاجى وشهود العيان، كان تسليح البلطجية تمهيدا لمذبحة 4 مايو. شهداؤنا لا يصل جلهم إلى المشرحة، كما أن مصابينا يخافون من دخول المستشفيات، وأحيانا تمتنع المستشفيات عن استقبالهم، لذلك لم نحص عدد الشهداء الذين ارتفعوا فى فجر 2 مايو، وفى يوم مذبحة 4 مايو، ذلك لأن الأطباء الميدانيين يخافون من إرسال المصابين إلى المستشفيات، وحين يفارقون الحياة لا يتم إرسال جثامينهم للمشرحة، والله أعلم هم فين دلوقت.
تم إلقاء القبض على عدد كبير من الشباب، من بينهم عدد من الفتيات والنساء، كما أعلن اللواء الملا عن اعتقال كل الضالعين والمحرضين على اعتصام وزارة الدفاع!
ثم اقتحمت جنود بونابارته مسجد النور وادعت إلقاء القبض على 76 مسلحا، وأعلنت مقتل مجند جيش واحد! 76 مسلحا قتلوا مجند جيش واحد؟ يا خيبتهم التقيلة... لا وإيه، يقولون إنهم من الجهاديين الإسلاميين، اللى كانوا موقفين الصعيد كله على رجل فى التسعينيات... والوكسة دى حصلت لهم إمتى؟
أخيرا، وبعد ضرب النساء والعزل والأطفال وسحلهم كالعادة، عبرت قواتنا المسلحة نفق العباسية المنيع، وأفقدت العدو توازنه حين خلع أحد الجنود ملابسه ووقف يرقص فى الميدان بعد تحرير العباسية من العدو الصهيونى، وبكرة يرقصوا رقصة الحجالة بعد ما يحرروا شبرا، والله الموفق، والمستعان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق