من يزرع الخوف؟November 7th, 2011 10:36 am
المجلس العسكرى بيده السلطة الآن، لكنه لا يملك أدوات للسيطرة، ليس أمامه إلا نشر الخوف.. الخوف على الأمن، والخوف من أجهزة تبنى شبكاتها فى الظلام الآن.
إنه إعادة بناء لجمهورية الخوف أو الرعب كما كانت أيام مبارك ولكن بأشكال جديدة، تحاول استيعاب زمن انتصرت فيه إرادة شعب وأزاحت الرئيس من القصر إلى الزنزانة ولو طبية.
الرعب كان سر وجود جمهورية مبارك، وموظفوه مثله عواجيز تثيرهم متعة السلطة والثروة، هذا سرّ استمرارهم فى الحياة هو رغبتهم القصوى بالمزيد. ولو ابتعدوا عن السلطة ومناطق الثروة يوما واحدا، تتساقط أجسادهم وربما يموتون.
ولهذا يبدو العقاب الكبير لمبارك هو البعد عن مواطن لذته، حيث لم يعد قادرا على إثارة الرعب فى أطفاله.. شعبه، ولا على شحن بطاريات توليد طاقته على الحياة بإثارة الرعب فى الأجيال المتمردة، والإمعان فى تأكيد شعور أن المصريين يساقون إلى أقدار سياسية، وتسريب يقين بأن الشعب المصرى لن يستطيع الإفلات من قبضته.
مبارك قاد عواجيز تُشحن طاقتهم يوميا بممارسة القهر، يستمتعون بمشاعر الغضب والإحباط والتشاؤم. هذه هى المنشّطات التى كانت تجعلهم مستمرّين فى الحياة.
ولهذا لم يكن أمام مبارك سوى تكثيف الرعب كما حدث فى موقعة «الجمل» استدعى كل عناصر الوحشية البدائية، فى مواجهة خيال قاد بالميديا الحديثة (الفيسبوك والتويتر) ثورة انتصرت على الخوف التقليدى، وحررت شبكاتها من قبضة البصاصين.
عاش ثوار التحرير ١٨ يوما فى انتظار مذبحة، وتعددت أساطير صنع الخوف من سيارات تحمل مئات الكلاب البوليسية إلى أسود جرها جمال مبارك من حديقة الحيوانات.. أساطير تستعيد ذاكرة الوحوش الجائعة التى كان أباطرة الرومان يطلقونها على شعوبهم.
الثورة كسرت الخوف.
والسلطة اليوم تحاول زراعته من جديد، لتحصد شعبا خائفا يهرول إليها إما خوفا من بلطجية وقطاع طرق سيخرجون من شقوق المدينة أو سلفيين إرهابيين سيحولون حياتنا إلى جحيم بسكاكين وخناجر وفتاوى تقطع الأذن.
ماذا نفعل فى مواجهة كل هذا الخوف؟
ولماذا لا تعيد السلطة الانتقالية بناء أجهزتها الأمنية بدلا من إيقاظها لأجهزة القمع فقط؟
هل الأمن هو القمع؟
لماذا لا تهتم الحكومة والمجلس بإعادة بناء الشرطة على قواعد جديدة بدلا من الدفاع الهيستيرى عن أجهزة القمع وحمايتها وتفعيلها فى السر للسيطرة؟
.. إنه زراعة الخوف.
لماذا تطارد الأجهزة الثوار بينما تترك العناصر النشيطة من فلول عصر مبارك تبنى شبكات ميليشيا سرية، كانت وراء عمليات تخريب مثل الجزء الأخير من أحداث السفارة الإسرائيلية؟
.. لماذا عاد أصحاب الأصوات الوقحة للظهور فى قنوات التليفزيون وفى اجتماعات مع الحكومة يتبجحون على الثوار والثورة.. ويحاصرونهم بالتهم وتشويه السمعة؟
.. إنهم عادوا بعد الاطمئنان إلى مزاج السلطة الانتقالية، تعاملوا معها على أنها امتداد لمبارك، وأنهم سلاح يمكن استخدامه، سلاح تشويه السمعة، وعنوان للبلطجة تتجمع حوله ميليشيات الفلول؟
لماذا تعلق السلطة التحقيق فى ملفات مهمة، وتؤجل كل المحاكمات إلا فى مواجهة من يعترض على إدارتها للمرحلة الانتقالية؟
.. كل هذه الأسئلة.. تتكشف أمامها محاولات زرع جمهورية الخوف من جديد.
.. وهى محاولات رغم جبروتها.. لن تنفع بهذه السهولة فى أرض تغيرت طبيعتها بالثورة.
هل يدرك مستشارو المجلس العسكرى أن جمهورية الخوف راحت أيامها وعودتها مجرد وهم أو قلة حيلة أو عجز سياسى كامل الأوصاف؟
.. غالبا لا يدركون.. ولهذا يستمرون فى زراعة الخوف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق