قضيت ليلة مع القذاذفة الجدد فى مصر.
فوجئت بنشر ما اتفقتْ عليه اللجنة التأسيسية للدستور ليكون نص المادة الأولى.
وفوجئت بالكلمة…«مصر دولة… شُورية… حديثة».
أعدت القراءة أكثر من مرة.
وتابعت الشرح من القيادة السلفية: إنها نسبة إلى الشورى…. اللفظ العربى للديمقراطية.
لا أعرف لماذا أُصبت بالضحك… وتذكرت إبداعات العقيد القذافى فى البحث عن اسم للدولة ولم يجد إلا الجماهيرية.
الجماهيرية هى تجميع لأفكار خيالية عما سماه العقيد حكم الجماهير.
المشكلة ليست فى الاسم، ولكن فى أنه لم يعبر عن معنى سوى إعادة إنتاج حكم الفرد… وديكتاتورية العائلة…. واستبداد الميليشيات التابعة لطاغية مستبد.
هذا ما انتهت إليه الكلمات التى تعبر عن أحلام افتراضية…. خارج الزمن والتفكير.
يتصور أصحاب الكلمة أنه يمكنهم استخدام ما تعودوا أن يحشدوا عليه أتباعهم.
يقولون لهم إن الحكم الإسلامى هو الشورى، وليس الديمقراطية، باعتبار أن الديمقراطية وليدة أنظمة الغرب الكافرة، والشورى هى الحل السحرى الذى قدمه الإسلام.
وهذا الشحن الدعائى لتنظيم لا يصلح أن يكون أساسا لدولة، إلا إذا كان إعلان رقائق الشيبسى التى تجعلك تشعر بالقوة المقاومة للجاذبية… يعنى أنه يمكن اعتماد التهام هذه الرقائق كوسيلة للطيران.
ماذا يعنى نظام الشورى… فى الدولة الإسلامية؟ ومتى تم تطبيقه؟ وهل يصلح الآن بعد أن تغير شكل الدولة وتطور المجتمع ولم يعد هذا زمن الدول التى ترسم حدودها بسنابك الخيل وغزوات الجيوش… ولا العقد بين السلطة والشعب هو عقد البيعة… أو التسليم بأن الحاكم مقدس، وتفرض عليه شكلا شكليًّا غير ملزم من التشاور مع بعض حاشيته.
الزمن تغير كما تغيرت وسائل المواصلات من الجمل إلى السيارة، والبيوت من الخيام إلى الشقق والفيلات، والتبادل المالى من صرة الدنيانير إلى الكروت البلاستيكية.
لماذا يريدون ربط الإسلام بهذه اللحظة الزمنية؟
إنه اللعب على فكرة «العصر الذهبى» أو «إعادة المجد القديم»، وهذه فكرة سحرية تماما تُرضى قطاعات من الشاعرين بالعجز أو التواصل مع المجتمع.
وهذا نوع من الأفكار التى تعتمد عليها الفاشية، حيث تصور لمن تدعوه أنها طريق لإحياء مجد الأجداد.. وأنه فى حرب مع كل العالم باعتباره من السلالة الموكول إليها المجد.
هذه أفكار فاشية لكنها فى تنظيمات ليست لديها قدرة على الفاشية، أى لا تمتلك سلطة ولا إبداعا.. إنها فاشية عقيمة كما كانت ديكتاتورية مبارك عقيمة.
هكذا وصلنا إلى كوميديا دستورية من نوع قذافى… أيضا دون خفة ظل وجنون القذافى.
وأعترف هنا أنه بعد صدمة «الشُورية….» عبرت عن هذه الصدمة فى تغريدات أشارك بها الأصدقاء… قوة الدهشة… وفوجئت بأننى عندما استدعيت القذافى.. أن هناك قائمة طويلة من القذاذفة… يحيطون بنا من كل لون سياسى، وفى كل مجال من القضاء إلى الإعلام إلى السياسة، ومن السلطة إلى المعارضة.
فى مصر قذاذفة لا حصر لهم… وإن كانوا قادرين على شغل عقل البلد كلها بهذا الحشو الفخيم الذى لن تشعر بخطورته إلا عندما نجد أنفسنا أمام واقع نتمنى فيه أو نحلم بعودة دستور ١٩٧١ الذى أقمنا الثورة ضده.
وسنكتشف ساعتها أن ليبيا الأرض التى أنجبت القذافى الأول… اختارت الليبرالية…. بينما فى مصر يكتب القذاذفة دستور الثورة..
وكانت ليلة فعلا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق