الجمعة، 20 يوليو 2012

ماتوا.. لنحيا


مينا إبراهيم دانيال، مواطن مصرى عشق بلاده فدرس آثارها! واحد من 40% من أبناء هذا الوطن ذاقوا القهر الاجتماعى، فلم يستنكف أن يعمل كهربائياً كى ينفق على نفسه، ويساعد أسرته على مواجهة أعباء الحياة. عرف أن خلاص فقراء الوطن لن يتحقق إلا ببناء دولة الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. لا تستطيع أن تتذكره من دون أن تتذكر ابتسامته، وهو يواجه القتل فى الصفوف الأولى. أول من يفتح صدره للرصاص وقت هجوم رجال مبارك على الميدان، وأول من يؤلف ويخرج ويمثل اسكتشاته الساخرة ليخفف بها عن الجميع وطأة انتظار المجهول حينما تهدأ الأمور فى الميدان.
يوم 28 يناير، اختار مينا أن يكون من المجموعة المنظمة لإحدى المسيرات التى انطلقت من أحد مساجد ميدان الجيزة، كما شارك زملاءه فى الدفاع عن ميدان التحرير خلال معركة الجمل، فنال جزاءه إصابتين من رصاص الغدر إحداهما اخترقت كتفه والأخرى قدمه. وأبى أن يترك الميدان إلا بعد رحيل الطاغية!
نجا مينا من الموت مرتين، إلا أن رصاص نظام مبارك لم يشأ أن يتركه حيا، ولم يهرب هو من المواجهة. فكان على موعد مع الشهادة فى مذبحة ماسبيرو عندما اخترقت الرصاصة الأخيرة جسده الطاهر. وكانت آخر كلماته لأصدقائه فى سيارة الإسعاف «لو مت طلعونى من التحرير»! اختار أن يكون آخر لقاء له برفاقه، فى نفس الميدان الذى واجهوا الموت وحلموا فيه بالحرية سوياً. فكان له ما طلب، مات مينا وظل أحد شهود وشهداء الميدان على طريق العدالة والحرية.
ومحمد محسن أحمد، ابن صعيد مصر، الذى درس بكلية التعليم الصناعى بجامعة سوهاج. ولأنه ابن نفس نسبة الـ 40%، كان يعمل فى إجازته الصيفية ليخفف عن كاهل أهلة مصاريف دراسته. نشأ فى محافظة أسوان، وكان يعلم أن خلاصه لن يكون إلا بخلاص وطنه وأبناء شعبه، فالتحق بالجمعية الوطنية للتغيير قبل اندلاع الثورة. وظل مدافعاً عن حق شعبه فى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. لم يترك ميادين الحرية، حتى أصيب فى ميدان العباسية عندما خرج مع زملائه ليعلنوا تحميلهم للمجلس العسكرى مسؤولية ما يحدث فى بلادنا، واستشهد بعد إصابته بستة أيام. كان من المفترض أن يتم مينا عامه الحادى والعشرين بعد يومين فى 22/7/2012، وفى اليوم التالى تحل الذكرى الأولى لإصابة محمد التى أدت لاستشهاده، وترفض السلطات المصرية اعتباره شهيداً حتى الآن. فى 23يوليو، تحل ذكرى ميلاد الأول واستشهاد الثانى، ولم تحقق ثورتنا بعد أهدافها. وصار عليها أن تستمر، حتى ننال الحرية كاملة والعدالة غير المنقوصة، فهما حق لنا ولوطننا ننتزعه لا نستجديه.
وها قد قرر الثوار من أصدقاء وزملاء مينا ومحمد، ممن فقدوا المئات من أصدقائهم ورفاقهم، التجمع لإحياء ذكراهم يوم 23 يوليو فى نفس المكان الذى تقاسموا فيه الحلم سويا. وسوف يجددون العهد على أنهم لن يهدأ لهم بال إلا ببناء الوطن الذى نريده جميعاً: الوطن الذى لا يفرق بين مواطنيه على أساس الجنس أو الدين أو الأصل الاجتماعى، الوطن الذى لا يخشى فيه المصريون من الغد، وطن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
فى هذا اليوم، يعلن الثوار عن رؤيتهم للفترة القادمة وعن حملاتهم المختلفة التى ستكمل طريق الثورة والحلم، لا ينقصهم سوى من قرروا أن يرحلوا أولا فداء للوطن. اليوم نعاهدهم على أننا سنكمل طريقًا بدأناه سويًا، ولن يهدأ لنا بال إلا بتحقيق حلمهم/حلمنا.
نحيى فى هذا اليوم ذكراهم، وأنا أشعر أن ميداننا لا ينقصه سوى ضحكتهم. فميداننا لن يصبح كما عهدناه بدونكم، من عرفتهم منكم شخصيًا، والمئات ممن لم أتشرف بمعرفتهم، لكنهم اختاروا الرحيل ليؤمِّنوا لى ولغيرى ولأبنائنا حياة أفضل نستحقها، وستظل أحلامهم تملأ مياديننا صخباً، كى لا ينام العالم مرة أخرى بكل ثقله فوق أجساد الفقراء والمحرومين. رفاقى: مينا دانيال، محمد محسن، بهاء السنوسى، علاء عبد الهادى، محمد مصطفى، مايكل مسعد، أبوالحسن إبراهيم، وعاطف الجوهرى، ومئات الشهداء الأبرار.. لم ولن ننسى أياً منكم، وسننقل قصصكم إلى أطفالنا لينقلوها إلى أبنائهم. وسيظل المصريون يتناقلونها جيلاً بعد جيل، ليعرف أبناء المستقبل أن ما يتمتعون به من حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية كرامة إنسانية كان ثمنه غالياً جداً، فالثمن كان أنبلنا وأشجعنا وأطهر ما فينا، ثمنها كان حياتكم أنتم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق