عقب مجزرة ماسبيرو توجهت إلى المستشفى القبطى، استوقفنى شخص بابتسامة عريضة قائلا: تخشِّى المشرحة ولا حتخافى؟ فقاطعه رجل آخر: حرام عليك. فأجاب وهو يسحبنى من يدى: لا مش حرام.. ودفع بى إلى الباب بينما تتعالى أصوات بعض الوقوف: حرام عليك يا أخى… ما تخشيش يا نوارة. التفتُّ إليه فأومأ برأسه باسما: خشى خشى! كان لغط بداخل المشرحة، أصوات بكاء، دعوات على الظالم والصامت والراضى، ثم صفير فى أذنى، ولم أعد أسمع شيئا، وقعت عينى على وجه مبتسم، تسيل من رأسه الدماء، ابتسمت له وحدثته ببضع كلمات، ثم شعرت بأيدٍ تربت على كتفى وأذرع تحتضنى لتخرجنى. خرجت من المشرحة فقابلت كاميرا تليفزيونية، ولوهلة، نسيت ما رأيت بالداخل، ثم خرجت إلى بوابة المستشفى لأستمع إلى نحيب أحد الشباب وهو يصرخ: يا مينااااااا… ثم نظر الىّ: مينا دانيال يا نوارة! جلست بجواره، ولم أبك. تذكرت فجأة الوجوه التى قابلتها بالداخل، وتذكرت أن الوجه الباسم الذى كنت أحدثه بالمشرحة كان لمينا دانيال، ولسبب لا أعرف تفسيره العلمى، تعاملت معه بوصفه حيا يُرزق، ولسبب لا أعرف تفسيره العلمى نسيت أننى شاهدته بالداخل وتعاملت مع الخبر كأنه لم يحدث حتى حضرت رباب المهدى وأخبرتها بنفسى أن هذا الشاب الجالس بجوارى يبكى مينا دانيال، ولسبب لا أعلمه، لم أبدأ فى البكاء إلا حين أخبرنى الحضور بأن علىّ الرحيل.
لم يكن هذا السيَحان فى الدماغ هو الأكثر إيلاما. المؤلم كان فى تعليقات من لم يحضر المجزرة ومضى يرغى ويزبد فى ما لا يعلم ولا يشعر ولا يفهم. المؤلم كان فى إلقاء اللوم على الضحية، الذى كان علىّ أن أواجهه عقب كل مجزرة، بدءا من 15 مايو حتى مجزرة العباسية. كأن المرء يتعود على ارتفاع نسبة الأدرينالين، كأن المدرعات والرصاص يتحولان إلى لعبة، تبعث على الضحك أحيانا، وعلى الصراخ الطفولى أحيانا أخرى، كأن سقوط من كان يمازحك منذ هنيهة برصاص العدو تحول إلى أمر روتينى، يستلزم التعليق عليه منبها من حولك: الواد مات.. أنت تعتاد المواجهات، ولا تعتاد الظلم… آه، قلت رصاص العدو! هذا أمر مؤلم آخر، ربما تجاوزته بعد فترة، أن يتحول من كنت تفخر به من بنى وطنك إلى عدو يسعى سعيا حثيثا للإجهاز عليك وكسر إرادتك وإهدار كرامتك. إلا أن توصيفه بالعدو، قد يصاحبه بعض المرارة فى البداية، ثم تشعر بالراحة بعد قليل: هذا هو العدو… ليس هنالك ما يدعوك إلى الأسف لأنه يوجه سلاحه ضدك.
تجد للعدو أعذارا، لا تبرر فعله، لكنها تريحك من التساؤل الذى يقض مضجعك: لماذا؟ ببساطة لأنه عدو، تتعارض مصالحه مع مصالحك. هو بالأساس له مصالح، وأنت تهدده لأن مصالحه تَصادَف أنها تأتى على حساب كرامتك، وحقك، وقوتك، وحريتك. الباشا عايز يفضل باشا، وأنت تقول له: مش حتبقى باشا.. هو غير معنى بأن كونه باشا يخصم من حقك فى أن تظل آدميا.
ما لم أجد له تفسيرا، هو ذلك الذى ليس باشا على الإطلاق، إلا أنه ينحاز إلى الباشا بلا أى مبرر. وقد يروج لخطاب الباشا فى لوم الضحية، وقد يصدر بيانات يدين فيها القتيل الباسم، انتصارا لمصالح الباشا. أنت تريح نفسك بافتراض أن الباشا قد غرر به وخدعه، لذلك فأنت تنتظره الموعد تلو الموعد، تقول إنه ظن بك السوء لأن الباشا أخبره بأنك نزلت يوم 27 مايو لتهدد وجوده، وربما تَحدّث من هم فى صفك بخطاب أثار فزعه، وهو ما دفعه إلى إصدار بيان يصف نضالك بأنه «جمعة الوقيعة». تحاول الاتصال به، لتوضح له الأمر، وتخبره بأنك لم تنزل للوقيعة، ولا ترغب فى الوقيعة، وتشرح له بالضبط وجهة نظرك، وتسأله إن كان سيتخلف عن مصاحبتك فى الميدان الجمعة المقبلة، فيخبرك بأنه سيعرض الأمر على المكتب ويجيبك بالإفادة، ثم يختفى، ثم يصدر بيانا آخر، يتهمك فيه بالافتئات على إرادة الشعب لأنك اعتصمت مطالبا بالقصاص للشهداء، فتتصل به، وتخبره بأنك لا تريد الافتئات على إرادة الشعب ولا تظن أن القصاص للشهداء يناقض الاستفتاء الذى صوتت عليه الأغلبية بنعم، فيخبرك بأنه لم يفهم ذلك البتة، وأن سبب سوء الفهم هو تصريحات ممدوح حمزة، فتطلب منه تصحيح الفهم، فيعدك بذلك، ثم يختفى.
تعود لتنتظره أمام سفارة العدو الصهيونى عقب قتل مجندين مصريين على الحدود، فتعلم أنه يتناول إفطاره فى السفارة الأمريكية، فتعاود الاتصال به، فيعدك خيرا، ثم يختفى، ثم يصدر بيانا يصف من اقتحموا السفارة بالمندسين! ثم تعود لتوضح له، فيؤكد لك أن سوء فهم قد حدث.
هو يختفى بعد كل «سوء فهم» لا يصححه، وأنت تنتظره، ومن حولك يتنامى شعور المرارة بداخلهم، وهم ينتظرونه معك: هم مش جايين؟ – زمانهم جايين – إمتى؟ شكلهم باعونا.. – لا أنا حاكلمهم.. وتقدم المبادرة تلو المبادرة، وتقوم بالاتصال من خلف الاتصال، وتنتظر، وحولك أناس ينتظرون وينظرون إليك بعين اللوم لأنهم لا يجدون أمامهم سواك: هم دول الإخوان اللى كنتى بتدافعى عنهم؟
لكننى لم أعد أنتظر، أو أتصل، أو أدافع، عقب مجزرة ماسبيرو التى ألقى فيها اللوم على القس فلوباتير! «ماهو لو ماكانش فلوباتير نزّلهم يتظاهروا ما كانوش ماتوا»، أو بقول آخر «قتله من جاء به»، للتهرب من الاعتراف بأن القاتل هو الفئة الباغية.
توقفت عن الانتظار، وعن الإيضاح، والشرح، وتفرغت لمهمة التصدى للسيل المقرف من الاتهامات التى تنهال علينا عقب كل مواجهة.
الفجيعة الكبرى كانت فى أثناء معركة محمد محمود. قوات أمن مركزى تضرب فى المواجهة، قوات جيش تضرب من شارع جانبى، شيوخ تقوم بالوساطة لثلاث هُدَن تودى كل واحدة منهم بحياة ما لا يقل عن عشرين شابا، شباب كأولياء أو ملائكة منزلين، يواجهون بثبات وشجاعة ورباطة جأش وسخرية من الموت، يتبادلون النكات حتى النفس الأخير، إعلام منحطّ يَصِمُهم بالبلطجة، أعداد غفيرة تتوافد على الميدان بعد فزع أصابهم من رؤية جندى يجر جثة شاب فى المزبلة، لحظة فارقة بحق، ملأت الجميع بالأمل فى النصر على الرغم من شلال الدم الذى كان لا يتوقف، لأول مرة، مليونيات يومية فى الميدان دون تنظيم من أى قوة سياسية، تهتف الجماهير التى نزلت بعفوية فيها: يسقط يسقط حكم العسكر. المجلس العسكرى يلفظ أنفاسه الأخيرة. لم يبقَ سوى أن يتطوع أى من الأنطاع الذين يشكلون حياتنا السياسية ليقول: أنا أتسلم السلطة من المجلس العسكرى وعليه أن يرحل. صدّق وعليك أن تصدق لأن ذلك ما حدث بالفعل: القوى السياسية جمعاء، تكاتفت لتعطى المجلس العسكرى قبلة الحياة، والصدمات الكهربية اللازمة لاستعادة النبض فى قلب النظام العسكرى القابع على أنفاسنا على مدى 60 عاما. تَزعّم كونسولتو الإنقاذ للنظام العسكرى إخوة الثورة، الذين يؤكدون الآن أن قوتنا فى وحدتنا. كان خطاب الإخوان المسلمين ضد أبطال محمد محمود كأحقر ما يكون، من اتهام بأنهم جزء من مؤامرة لتأجيل الانتخابات، وأنهم يشاركون فى فخ، حتى اتصل بى الأستاذ إبراهيم عيسى، الذى بذل من جهده وجريدته فى الدفاع عن خيرت الشاطر فى أثناء فترة حكم مبارك ما دفع البعض أن يتهمه بتقاضى أموال من الإخوان المسلمين، وطلب منى أن أصف له الوضع فى محمد محمود وأن أطرح حلا للخلاص، فقلت: اتصل بخيرت الشاطر خليهم ينزلوا.. المجلس بيخلّص. فتَحمّس بشدة: حالا حاتصل بيه. ثم علمت منه بعد ذلك أن المهندس خيرت الشاطر تجاهل اتصالات إبراهيم عيسى ورسائله. هذا بخلاف التهديد الذى وصل إلينا ونحن نواجه الرصاص رأسا من مكتب الإرشاد: لو أصر المعتصمون على طرح حل مجلس رئاسى مدنى فإننا سنفهم أنكم تدفعون فى طريق حرب أهلية! الأمر الذى دفع كل الأسماء التى طُرحت لتشكيل مجلس رئاسى مدنى إلى التخاذل عن نصرتنا، واللى يقول لنا المجلس يكلفنى، واللى يقول لنا وأنا أروح لفلان ليه؟ ما هو اللى يجيلى، واللى عمل نفسه ميت.. الحقيقة أننى لا ألوم الإخوان فقط، ولا أتهمهم بالتخاذل وحدهم، بل إننى أشير بإصبع الاتهام بالجبن والتخاذل إلى كل القوى السياسية مدنية كانت أو إسلامية، وإلى كل الشخصيات السياسة، من ترشح منها للرئاسة ومن جلس يفتى ويلتّ ويعجن. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
حين سُئل فضيلة المرشد محمد بديع: لماذا لم تساندوا من استغاث بكم فى أثناء معركة محمد محمود؟ أجاب فى أحد البرامج التليفزيونية: ما هو إذا كان مات من الإخوان فى الثورة تلاتين أو أربعين مش عايز يموت منهم 300 أو 400.. وبعدين إحنا نزّلنا أطباء، وفيه شباب نزل مخالف للأمر ورجعوا اعتذروا لى وقالوا لى إحنا ما كناش نعرف إن الوضع كده!
الوضع كده اللى هو إيه يا فضيلة المرشد؟ كنا بنعمل قلة أدب على أنغام القنابل؟
انفضّ الناس عنا، وكان الناس، المنتمون فى الغالب إلى حزب الكنبة، قد نزلوا ملتاعين من هلع القتل، إلا أن تخاذل القوى السياسية جعلهم يعلقون آخر أمل على مجلس الشعب، أما نحن فاستمررنا فى اعتصامنا ونقلناه أمام مجلس الوزراء اعتراضا على حكومة الجنزورى، فهجم الجيش علينا، وكشف ستر النساء وسحلهن، وتعمد فى هذه المعركة أن يكيل الإهانة إلى العنصر النسائى من بين المعتصمين، كأن الهدف كان التنكيل لا مجرد فض الاعتصام بالقوة. فما كان من إخوة الكفاح، الذين يعلمون تمام العلم أن قوتنا فى وحدتنا، إلا أن تساءلوا: طب وهى إيه اللى نزلها؟ سؤال كونى، ماحدش عرف يردّ عليه الصراحة… أفحمونا.
بعد فوز الإخوان المسلمين بالأغلبية فى البرلمان، اقترح إبراهيم عيسى أن يقوم المجلس العسكرى بتسليم السلطة للبرلمان، فما كان من علاء سيف إلا أن اتلدع بالفكرة، وراح قايم وساحب لك معاه كام واحد فى مسيرة حاشدة لتسليم السلطة للبرلمان المنتخب. فإذا بسياج من شباب الإخوان، الذين يخشى المرشد على حياتهم، يعترض المتظاهرين، ويضرب الفتيات… وما إن نادى منادٍ بأن الأولتراس على وصول حتى اختفى كل «الرجال» الذين أوسعوا الفتيات ضربا.
ثم أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانا تطالب فيه المجلس العسكرى بسرعة البت فى «قضايا التمويل»، وتحرض فيه بوضوح على اعتقال «الليبراليين، واليساريين، والفوضويين» الذين أصابتهم «الغيرة» من نجاح التيار الإسلامى! ومن كتر الغيرة ساروا فى مسيرة ليسلموهم السلطة.
ثم حدثت مجزرة بورسعيد التى تمخض عنها مواجهات شارع منصور، حيث أصيب الناس بطلق خرطوش، ومن بينهم صديقتى سلمى سعيد، إلا أن الكتاتنى أكد، بناء على تأكيدات السيد وزير الداخلية، إن «مافيش خرطوش»، ووقف نواب الشعب يدافعون عن «هيبة الداخلية»!
أخيرا، حدث بعض التوتر فى علاقة «العسكرى» بالإخوان، وانتهى شهر العسل، ولو أن انتهاء شهر العسل كان سيدفع ثمنه الإخوان فقط، فما حركت ساكنا، وربما جلست ابتسم فى شماتة، إلا أننى فقدت أصدقاء، وأعين أصحاب، وراحة بال، كى يفرح الناس بالديمقراطية، ويشعروا بقيمة أصواتهم. بدأ «العسكرى» يهدد الإخوان بقرار حل مجلس الشعب الكائن فى درج المحكمة الدستورية بالتزامن مع طرح خيرت الشاطر مرشحا لرئاسة الجمهورية.
ليه يا جدعان رشحتو رئيس جمهورية؟ إنتو ليه كدابين؟ ليه كده؟ فأجابت الجماعة بإجابة لو كنا نحكم على الناس بمعاييرهم لوجب استتابتهم عليها: ما القرآن فيه ناسخ ومنسوخ! يا لهو بالى يا امّا… إنت بتكفر يا نور؟!
لم آبه شخصيا بذلك الصراع بين عمر سليمان وخيرت الشاطر، واستبدال شفيق ومرسى بهما، ما أقلقنى هو العبث بمقدَّرات وإرادة شعب وقف فى طابور الانتخابات ليختار نوابه، حتى إن اتضح بعد ذلك إنهم بياكلوا هولز، لكنهم نواب الشعب، وهذا هو مجلس الشعب الذى سالت الدماء من أجل تشكيله بنزاهة وديمقراطية.
حدث ما نعلم من استبعاد حازم أبو إسماعيل، فنزل أنصاره للاعتصام فى ميدان التحرير ثم قرروا نقل اعتصامهم إلى وزارة الدفاع، وما كان لصاحب إنسانية أو نخوة أو بعض من مروءة أن يتخلى عن شباب يمارس حقه فى الاعتصام وقتما يعنّ له فى أى مكان يرغب فيه، البلد بلدهم وهم أحرار، يعتصمون لأى سبب وفى أى مكان.. وكان فى اعتصامهم قيمة أن الإنسان أغلى من أى منشأة مهما علا شأنها. وإذا بنا نفاجأ بأن جميع رموز التيار الإسلامى، سلفيا كان أم إخوانيا، يتخلون عن المعتصمين ويطرحون سؤالا كونيا آخر: مين دول؟ إحنا مانعرفهمش… أنا ماعرفوش يا ابنى شفيق يا راجل ده! الناس تسقط ما بين قتيل وجريح وهم يقولون إنهم لا يعرفونهم، ووصل الأمر بأحد المشايخ إلى أن قال إن شباب «6 أبريل» يغرّرون بالشباب السلفى الغض البرىء، وبيمشّوهم مشى وحش من بتاع الاعتصامات وقلة الأدب.. وأهاب بالشباب السلفى إنه مايسمعش كلام العيال الوحشة ولا يلعب معاهم تانى.
كانت موقعة العباسية فاجعة أخرى، وقت أن رقص الجيش المصرى على دماء شباب ثورى، لم يطالب بأكثر من حقه فى الاعتصام ونزاهة الانتخابات، وشاركه الرقص بعض من المدنيين الذين يعتقد البعض أنهم من سكان العباسية، بينما يرنم المشايخ ترنيمة رديئة عن هيبة الجيش حامى حمى البلاد من العزل. لا بس هو حامى حمى البلاد يا ولاد… حتى بأمارة ما اتقتل له 6 على الحدود وعمل نفسه نايم، ولم يتحرك للقصاص له سوى تلك الشرذمة عدوة الوطن التى اندسّت لتقتحم سفارة العدو الصهيونى انتقاما لفلذات أكبادنا التى سُفكت دماؤها على الحدود.
وجع قلب… مش كده؟
حسنٌ، هذا الاستعراض المؤلم لكأس المر التى تجرعناها على مدى عام ونصف لا يعنى أننى أتخلى عن اختيار الشعب وحقه فى الديمقراطية، ولا أقبل بإهانة نواب الشعب مهما بلغت رداءة أدائهم، ولا أقبل بانقلاب عسكرى على الديمقراطية، وقد علمنا أن المحكمة الدستورية قد عزمت على حل البرلمان قبل جولة الإعادة، فذهبت بخيمتى مضربة عن الطعام ومطالبة نواب الشعب باحترام من انتخبهم والاعتصام تحت قبة البرلمان لتفعيل قانون العزل السياسى، وحماية برلمان الشعب من حله، فانضمّ ما يقرب من 50 مضربا، ومثل العدد تقريبا من المعتصمين… قوم إيييييه؟ قووووم عصام العريان يصرّح بأن نواب الشعب لن يعتصموا، إنتو جايين تعملوا لنا كرامة؟ إحنا ما عندناش كرامة أصلا… ومش بنحبها كمان.. بس هه. وانتظرنا الكتاتنى ليقابلنا كما وعد النائب كمال أبو عيطة، فهرب.
تم حل مجلس الشعب، وبدأ إخوة الكفاح يطلبون من شباب الثورة «الطاهر» واللى كان نجس من شوية صغيرين بس، حتى بأمارة ستة إبليس، الانضمام مرة أخرى إلى الثورة للدفاع عن الشرعية.
وصدق حسن مالك حين قال لبعض من شباب الثورة الذى كان يطلب ضمانات من مرسى قبل جولة الإعادة حين قال: مش حنديكو ضمانات وانتو ما يتخافش منكو، إنتو عندكو أخلاق، ولا يمكن تنتخبو شفيق، آخركو تقاطعوا.
حيث إن شباب الثورة الطاهر، النجس سابقا، بالفعل يتمتعون بقدر عال من الأخلاق، أو… مش عارفة، هى مش حكاية أخلاق، الأمر يتعلق بالتضحيات. نحن كنا نشعر بالراحة حين كنا نرى مشهد المواطنين وهم يقفون فى طوابير انتخاب البرلمان، على الرغم من أن دماء أصدقائنا الذين استشهدوا فى محمد محمود لم تكن قد جفت بعد. وكنا نشعر بالراحة حين نرى المواطنين يعلقون على أداء نواب البرلمان بالنقد وهم يشعرون أنهم أصحاب الفضل فى وجودهم تحت قبة البرلمان، ونشعر بالاطمئنان أن التضحيات لم تذهب هدرا لأن الناخب المصرى يقف ليختار رئيسه وهو يشعر بأنه سيختاره ليحاسبه كما يحاسب نواب البرلمان… ربما الأمر لا يتعلق بالأخلاق والقيم والمبادئ، بقدر ما يتعلق براحة نفسية تساعدنا على النوم بعد حضور المشاهد المروعة، مشهد المواطن المصرى وهو «بيمخمض» الشخص الذى انتخبه، ونازل ذل فى أيماناته، يجعلنا نشعر بأن الليالى الحالكة لم تذهب هباء، وأن الثمن المدفوع له مردود يستحق الفخر.
الأمر الذى دفعنا إلى الإضراب عن الطعام لإجبار النواب على حماية برلمان ليسوا فيه سوى خدم للشعب، ودفع غيرى إلى مساندة محمد مرسى للوصول إلى سدة الرئاسة، أما أنا فقاطعت الانتخابات. أما وقد وصل محمد مرسى إلى سدة الرئاسة، وعلى الرغم من أننى أُشهِد الله أننى قد سامحت الإخوان المسلمين فى كل الإساءات الشخصية التى لحقت بى، بدءا من «الشيعية بنت الحشاش» وحتى الخوض فى الأعراض، وأُشهِد الله أننى لم أسامحهم قيد أنملة على كل النذالات وسلسلة الخذلان التى اقترفوها بحق من مات ومن عاش بعين واحدة أو فقد بصره إلى الأبد ومن لم يفقد حياته وبصره لكنه فقد جزءا خاصا جدا من نفسه لا أظنه سيستعيده مرة أخرى، فإن السيد الدكتور محمد مرسى، هو السيد الرئيس المصرى المنتخب، وعليه احترام نفسه ولو رغما عنه، وعلى المجلس العسكرى احترامه بالذوق ولاّ بالعافية، والسيد الرئيس محمد مرسى، هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو صاحب الحق فى كل الصلاحيات بوصفه رئيسا للجمهورية، ولن أقبل بإهانة الناخب المصرى الذى قاتلت من أجل كرامته، ولن أقبل بالإعلان الدستورى المكمل، ولن أقبل بانقلاب عسكرى على الشرعية البرلمانية ولو باسم القضاء زورا، ولن أقبل بانقلاب عسكرى على الرئيس المصرى المنتخب، أنا معتصمة فى الميدان، وسأحمى السيد الرئيس وأحمى صلاحياته ومنصبه وشرعيته بدمى، وأعرف مِن الشباب مَن هم أسود يقفون بين المجلس العسكرى وبينه مستعدين لسحق عظام كل من يسلبه الشرعية، وهم ذات الأسود الذين يقفون بين الناس وبينه ومستعدون لأكل لحمه نيئا فى حال ما إذا أخلّ بتعهداته، بدءا من احترام نفسه ومنصبه، مرورا بتشكيل هيئة رئاسية توافقية، وتشكيل حكومة ائتلافية تخدم الشعب، وانتهاء بوعده الذى ذكره فى خطابه: لن أخون الله فيكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق