بعد عام ونصف العام من الثورة، العسكر يتحملون النصيب الأعلى والأكبر مما نحن فيه الآن، وهو فعل يستحق عليه هؤلاء الإعدام.. هم جنرالات اسما لا عقيدة، طالما أنه لا شىء يحركهم سوى غرورهم وخوفهم، فبالتالى لم يصنعوا سوى الفشل، ولم تجن منهم مصر سوى إجرام، وكأن هناك علاقة طردية بين احتمالية أن تضع على كتفك سيفا لامعا، وأن يكون غرورك وجبنك هو الشىء الوحيد الذى يلمع فى شخصيتك ويحدد أفكارك. ولا أعلم وبأى ضمير يمكن أن يضع هؤلاء الجنرالات أمنهم فقط ومصالحهم السياسية فى كفة ومصالح 80 مليون مواطن آخر فى كفة أخرى.
وإن كان البعض يتوهم كذبا أن العسكر هم مصدات لأمواج أسلمة مصر، فالحقيقة تقول إن العسكر لا يهمهم أن تكون مصر دولة أمنية أو دولة دينية، يحكمها شفيق أو يحكمها مرسى، تتحول إلى باكستان أو سودان أو سلفادور، جميعها تفاهات شكلية ومظهرية لا تهمهم على الإطلاق.. فالمهم هو أنفسهم فقط، مناصبهم فى الجيش، ميزانيتهم ومؤسساتهم الاقتصادية، قرارات السلم والحرب، لا حبا فى مصر -لا سمح الله- لكن لأن الموضوع -كما نعلم جميعا- مرتبط بعلاقاتهم بأمريكا وما يتلقاه الجيش المصرى من أسلحة، وبالتالى ما يجنيه هؤلاء -بالتبعية- من مصالح وعمولات. هذا هو مربط الفرس، وعلى هذا الأساس يتخذون القرارات، ويعقدون الصفقات، ويصلون إلى تفاهمات.. ويبدو أن صورة عمر سليمان وهو يلقى خطاب تنحى مبارك لم تفارق أذهانهم، ولا تزال تعذبهم صورة رئيسهم فى القفص، فقتلوا شباب مصر فى مواضع مختلفة بدم بارد، وروح معتادة الإجرام كى لا يتحول أبسط احتجاج خارج ميدان التحرير إلى فعل قد تترتب عليه نتيجة غير متوقعة، أولم تقم الثورة هكذا؟ وبناء عليه وضع مبارك فى قفص الاتهام مستلقيا فوق سرير متحرك!
راقب جملة الإجراءات والقرارات والتشريعات والمراسيم التى أصدرها العسكر، ستجدها جميعا صدرت بمنطق الخوف والغرور، سواء قرارات جرت بالاتفاق مع الإخوان (والسلفيين بالتبعية) من أجل أن يكف هؤلاء أذاهم ويتركوا شباب الثورة بمفردهم فى الميادين، أو قرارات تصب بشكل مباشر لصالحهم ومن أجل خدمة أهدافهم، لذلك هم اتفقوا على لجنة تعديلات دستورية فى مارس 2011 إخوانية، ووضعوا العربة أمام الحصان، وأجروا انتخابات الشعب، لأن الإخوان يريدون ذلك.
لذلك أيضا كانت جريدة «الوقائع المصرية» منذ أشهر تحمل قرار المشير طنطاوى، إضافة مادة جديدة إلى قانون القضاء العسكرى، تنص على اختصاصه وحده بالفصل فى جرائم الكسب غير المشروع المنسوبة إلى ضباط الجيش، حتى لو بدأ التحقيق فيها بعد تقاعدهم. النص السابق كان واضحا وصريحا، لن يحاسبنا أحد، فلنفعل ما نشاء، لنعبث بأموال الوطن ومقدراته متى شئنا، حتى نتقاعد، وحتى إن فتح التحقيق بعد تقاعدنا، فلتخبطوا جميعا رؤسكم فى الحيط.
أما عن وثيقة المبادئ الدستورية التى أعدها على السلمى، فما كانت تحمله «سم فى العسل»، دولة مدنية تحترم الحقوق والحريات فى مقابل وضع خاص للجيش رسخته المادتان 9 و10 من الوثيقة، هذا هو المقابل إن أرادت القوى المدنية والثورية مصر دولة تحترم حقوق الإنسان، أو ليذهب الجميع إلى الإسلاميين كى يعدوا لكم دستورا باكستانيا أو إيرانيا.
أما عن الإعلان الددستورى المكمل فوظيفته ليست انتزاع صلاحيات الرئيس بقدر ما يحمل تأمينا لأنفسهم ولمصالحهم من مرسى وشفيق حتى، فالثانى وإن بدا يصلح لأن يكون رئيسا برافانا أو هكذا نراه، فإن السلطة قد تغيره، أو هكذا يراه العسكر، فمن بدا مسكينا اليوم قد يتوحش غدا، وقد يجد جنرالات المجلس العسكرى أنفسهم بعدها بأيام يحتسون القهوة فى إحدى دور الخدمات الترفيهية كضباط سابقين، كون موسى طلع فرعون، ونجح فى أن يصل إلى تفاهمات أو اتفاقات مع صف ثان من الجيش بديلا عنهم، وهو الرجل ابن المؤسسة، الذى بالتأكيد يحمل ذهنه بدائل وعلاقات قوية بداخلها مع غيرهم، فيجد هؤلاء أنفسهم خارج اللعبة، وربما بعدها تخرج الأصوات لتطالب بمحاسبتهم على ما اقترفوه فى السابق ماديا أو جنائيا، أيا كانت المطالبات وقتها، فى سبيل إضفاء شرعية جديدة على الرئيس الذى يراه الناس فى أوقات كثيرة سكيرا وقاتلا وغير قادر على أن يقول كلمتين على بعض، وفجأة يتحول شفيق إلى سادات آخر، أراده من جاؤوا به خاضعا فتخلص منهم جميعا.
الأمر مماثل بالنسبة إلى محمد مرسى وجماعته، فالعسكر الذين أحبوا انصياع الجماعة ورأوها فترة جماعة ملتزمة بتعهداتها نحوهم، انقلبوا فجأة عليها، لأنهم رأوا أن الجماعة بتلعب بديلها، وغرتها مكاسبها فظنت لحظة التمكين قد اقتربت، فتجرأ رجلها الأول وناقش طنطاوى فى كوتة لإخوانه فى كلية الشرطة والحربية بعد أن حاز أغلبية برلمانية، وبدا أن المزيد من الوقت يجعله أكثر عندا وغير قانع بالأغلبية ويسعى للسيطرة أيضا على مؤسسة الرئاسة، ومن ثم الجهاز البيروقراطى للدولة، ففى مثل تلك اللحظة لو أقسم لهم خيرت الشاطر على الميه تجمد وأنه لن يقترب من الخارجية والداخلية والدفاع يظل كلامه بالنسبة إليهم كلاما فى الهواء ليست له ضمانات أو تطمينات سوى وضع يفرضونه هم مكتوبا ويلتزم به هؤلاء.
للأسف فحتى هذه اللحظة وبعد عام ونصف العام من ثورة راح ضحيتها الآلاف ما زالت مصر تدار من خلال الغرف المغلقة، والاجتماعات السرية، بمنطق أجهزة المخابرات القادرة على قتلك، وفى نفس الوقت على إقناع الجميع أنك قد انتحرت.. منطق «خد ده وسيب ده». لذلك سنكون نحن أيضا كاذبين إن أعلنت اللجنة فوز مرسى فأثنينا على نتائج الانتخابات وصفقنا لها ووصفناه (الفوز) بانتصار للثورة، لأن ببساطة محددات النتيجة ليست نتائج الصناديق، لكن نتائج الاتفاقات حول مصالحهم وإلى ماذا ستؤول، هل سيكون مرسى وجماعته مرنين بالدرجة الكافية وملتزمين بما هو مطلوب منهم، أم سيلجأ العسكر إلى نتائج فوز شفيق التى يبدو أنها فى أدراج اللجنة، ولم تعلنها قبل حسم الأمر سياسيا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق