الأربعاء، 6 يونيو 2012

الثورة ليست عملًا ديمقراطيًا


البعض يطالبنا نحن  مقاطعى الانتخابات الرئاسية  بالتراجع عن مقاطعتنا بهدف «إنقاذ الوطن من خطر رجوع النظام السابق» وتفويت الفرصة على آخر رؤساء وزراء مبارك الذى سيرجع مصر إلى مرحلة ما قبل الثورة إن نجح فى الجولة الثانية من الانتخابات. وكنا اتخذنا قرار المقاطعة من البداية، وليس كرد فعل لنتائج الجولة الأولى.

قاطعت الانتخابات لأننى رفضت أن تطرح الثورة للتصويت عليها، فالثورة فى حد ذاتها ليست عملا ديمقراطيا والثورات لا تستلزم شهادات موثقة من صناديق الاقتراع بأن أغلبية الشعب العددية تؤيدها. ومن ذلك المنطلق الثورى رفض الثوار بقاء مبارك فى الحكم لحين مجىء موعد انتخابات الرئاسة، وأصروا على أن «يرحل». مثلما كان مؤيدو الثورة آنذاك على علم بأن مبارك ورجاله قد يزورون النتائج، تلك هى الحال اليوم: الكثيرون لا يثقون فيمن هم فى السلطة ولا يطمئنون لنزاهة انتخابات تجرى تحت حكمهم، لا سيما مع وجود المادة 28 بالإعلان الدستورى التى تحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات التى يرأسها رجل محسوب على مبارك.

ومازلت من المقاطعين حتى بعد أن أسفرت الدورة الأولى عن انحصار السباق بين أحمد شفيق الذى يمثل نظام مبارك ومحمد مرسى مرشح الإخوان المسلمين. فمقاطعتى لم تكن متعلقة فى المقام الأول بمرشح بعينه، لأن النتائج تتساوى سواء فاز مرسى أو شفيق أو حتى حمدين صباحى. مادام جاء الرئيس تحت الحكم العسكرى، وبدون صلاحيات معلومة فى غياب دستور واضح ومتفق عليه من الجميع. الرئيس المناهض للثورة سوف ينفذ سياسات العسكر ونظام مبارك بمرونة وبشكل مباشر. أما الرئيس الثورى تحت الحكم العسكرى فقد يسعى مخلصا لتنفيذ مطالب الثورة، لكنه فى النهاية سيضطر بشكل أو بآخر للاستجابة لإرادة العسكريين. رأينا نموذجا لذلك فيمن شغلوا رئاسة الوزراء أو مناصب وزارية مهمة تحت الحكم العسكرى. عصام شرف الذى جاء من التحرير لم يختلف كثيرا عن كمال الجنزورى. وحازم الببلاوى وجودة عبدالخالق اللذان عرفا لسنوات بوطنيتهما لم يستطيعا تحقيق أى من المنتظر منهما ماداما خضعا لقبضة المجلس العسكرى.

●●●

إذا كان البعض يأمل فى أن الانتخابات الرئاسية ستدفع المجلس العسكرى لتسليم السلطة إلى المدنيين المنتخبين فليتذكر أن العسكرى قد أصدر العديد من الإشارات خلال العام الماضى تفيد بحرصه على أن تكون للجيش اليد العليا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وقرار الحرب، وبحماية لسرية ميزانية القوات المسلحة ورواتب قادتها، وهو ما يدل على رفض العسكرى الحاكم للخضوع الديمقراطى للمدنيين المنتخبين.

ومما يشكك أيضا فى نية العسكريين للتنازل عن السلطة هو أن البرلمان الذى كان من المفترض أن يكون قد تسلم السلطة التشريعية يبدو وكأنه لم يتسلمها بشكل كامل  سلطاته دائما مقيدة من قبل العسكرى مما منع البرلمان من تنفيذ كثير من وعوده، كإسقاط حكومة الجنزورى. لم يستطع أن ينجز إلا القليل من التشريعات المتعلقة بمواضيع فرعية لا تحمل حلولا لبلد يغرق ولا بارقة أمل لثوار يناضلون لإنقاذ ثورة. حتى القانون الوحيد الذى كان من الممكن أن يحدث تغييرا فى مجرى الأمور، وهو قانون العزل، بات عديم الفائدة بعد تمريره المتأخر وبسبب مجيئه فى حالة من التشوش والعبث الدستورى والقانونى.

●●●

ومع كونى من المقاطعين للانتخابات بغض النظر عن هوية مرشحى الرئاسة وانتماءاتهم، فإن الخيارين المطروحين للدورة الثانية يزيداننى تمسكا بقرار المقاطعة.

شفيق هو رئيس وزراء موقعة الجمل، ينتمى لنظام مبارك وجمال وعلاء وأحمد عز وزكريا عزمى وحبيب العادلى وغيرهم من رموز الفساد والتسلط. ومرسى يمثل نظاما آخر اسمه الإخوان المسلمين، يتحكمون بالفعل فى السلطة التشريعية، وبفوز مرشحهم بانتخابات الرئاسة سيتحكمون أيضا فى السلطة التنفيذية، وهم بالفعل يهيمنون على اختيار الجمعية المنوطة بكتابة الدستور، وبذلك تكون لهم الغلبة فى تنظيم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

شفيق متهما بالتواطؤ فى قتل شهداء أيام الثورة الأولى، ومرسى ينتمى لمن صمتوا على طغيان المجلس العسكرى فى مذابح ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد والعباسية، من وصفوا الاحتجاجات المناهضة للمجلس العسكرى ب«السلسلة العبثية من محاولات إشعال النيران وتأجيج الفتن لتعويق مسيرة الديمقراطية».

لن أختار الذى يعد بما يسمى بالدولة المدنية لأننى لا أؤمن بهذا المصطلح المستحدث وغير العلمى، كما أننى لا أخشى الشريعة. ولن أختار من يعدون باستكمال الثورة لأنهم كانوا بالفعل قد طالبوا بالاستقرار أثناء أحداث ثورية، والاستقرار هو نقيض الثورة. كما أننا اعتدنا منهم أنهم يتخذون من تغير الظروف ذريعة لخلف الوعود.

●●●

هذا هو ما يفعله الطغاة بالشعوب: لا يتركون لهم الخيار، يحرمونهم من البدائل فيجبرونهم على اختيار الاستسلام. أجبر مؤيدى الثورة على خوض انتخابات يتنافسون فيها مع قوى النظام الذى كانوا قد ثاروا عليه، ثم أجبروا فى الدورة الثانية على الاختيار بين مرشحين مرفوضين، وهم حتى لا يعلموا إذا كان ذهابهم لصناديق الاقتراع سيحدث فرقا فاصلا أم لا، لعلمهم بإمكانية تزوير النتائج. ساروا على خارطة الطريق المفروضة عليهم، وهم لا يعلمون إلى أين ستأخذ البلاد، والإجابة فقط لدى 19 عسكريا يفرضون خياراتهم ولا يطرحون البدائل.

أما نحن  المقاطعين  فلن نضفى شرعية على مسار يؤدى لإجهاض الثورة، والتى نراها مستمرة إلا أن تتحقق مطالبها.

سابقا تعجلنا الإحساس بالنصر وإنجاز مطالب الثورة عند رؤيتنا لمبارك فى القفص فى بداية المحاكمة ولم نلتفت لكون المحاكمة عادية غير استثنائية ثورية، تطبق قانون وضعه نظام مبارك لحمايته، بناء على أدلة اتهام هزيلة أعدها نائب عينه مبارك. لذا لن نكرر الخطأ، وسنمتنع عن المشاركة فى مسرحية صورية أخرى اسمها ديمقراطية تحت حكم العسكر، سواء فاز بها مرشح الإخوان أو مرشح نظام مبارك.

نعم لرفض انتخابات تحت حكم العسكر، نعم لرفض انتخابات أقصى العسكر من مرشحيها من شاء وفرض من شاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق