من أسف أن المعتقلين فى أحداث مجزرة العباسية، يجرى التعامل معهم على نحو أكثر إهانة وشراسة مما يحدث مع أسرى جيوش الأعداء.
إن عمليات القبض العشوائى على شباب وأطفال وأطباء وطبيبات وصحفيين وصحفيات أخذت شكلا لا نسمع عنه إلا فى حكايات مروية عن الأنظمة القمعية القديمة جدا، وفضلا عن أن أحدا لا يعلم العدد الحقيقى للمعتقلين، فإن ما توصل إليه نشطاء حقوقيون أن هؤلاء محرمون من أبسط حقوق المتهمين فى أى مكان فى العالم، وتمارس ضدهم كل أشكال الانتهاكات من بطش وتعذيب وغياب كامل للعدالة فى التحقيقات وتوجيه الاتهامات.
لقد جرت عملية قصف وحشية للوعى الجماهيرى البسيط، بتصوير أحداث العباسية باعتبارها محاولة لغزو واحتلال وزارة الدفاع وهدم الجيش المصرى، ومارس الإعلام الرسمى نوعا من حروب الإبادة ضد المتظاهرين السلميين الذين خرجوا فى تظاهرات مشروعة، جرى استغلالها لصناعة مذبحة بحق مواطنين مصريين، أسفرت عن دماء واعتقالات وعمليات تعذيب تنتمى إلى عصور الفاشية.
ولعل هذه من المرات النادرة فى التاريخ البشرى التى لا تلتفت فيها جهات التحقيق إلى الإصابات وآثار التعذيب الواضحة على المتهمين، ولا تهتم بأن تتقصى عن هذه الإصابات وكيف وقعت ومن الذى فعلها بهم، وهو ما يخالف أبجديات المواثيق الدولية فى التعامل مع المتهمين.
ولا يزال عالقا بالأذهان ذلك الطقس الاحتفالى الراقص الذى مارسه الجنود بعد الانتهاء من إراقة دماء وتكسير عظام متظاهرى العباسية، بما يشير إلى أن هناك من زرع فى رءوسهم أن هؤلاء المصريين الذين يتظاهرون سلميا ويحتجون على سياسات يرونها خاطئة هم أعداء للوطن.. وبالتالى لا تثريب لو جرى سحق آدميتهم وانتهاك كرامتهم على مرأى ومسمع من العالم كله.
وقد بلغت المأساة ذروتها ــ أو حضيضها ــ عندما شاهد العالم كله استهدافا للأطباء المتطوعين لإسعاف الجرحى والمصابين، فى مشاهد لا مثيل لها إلا فى دول تقاوم شعوبها الاحتلال بغطرسته وهمجيته، حيث تم اعتقال مصابين غارقين فى دمائهم من داخل مستشفيات نقلوا إليها بين الحياة والموت.
وسيسجل التاريخ أن مصر بعد أن صنعت ثورة بيضاء من أجل الكرامة الإنسانية، شهدت إقدام مجموعة من المعتقلين السياسيين على الدخول فى إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجا على التنكيل بهم داخل المعتقلات وحرمانهم من الحق فى تحقيقات ومحاكمات عادلة أمام قاض طبيعى، وليس بين يدى من يقوم بدور الخصم والحكم معا.
ويكفى أن تقرأ شهادة الطبيبة الشابة آية كمال التى روت بعضا من تفاصيل المأساة فى شهادة موثقة لتدرك أن المصريين يعاملون الآن باعتبارهم أسرى وسبايا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق