اشتغال الجيش بالسياسة سبب هزيمة 67November 17th, 2011 10:34 am
لن أعيد ترديد المؤكد من ثقة جموع المصريين بقواتهم المسلحة، باعتبارها المؤسسة التى جسدت عبر التاريخ المصرى الطويل الكرامة والسيادة والقدرة، ومهما قيل عن القَسَم بالولاء للقائد الأعلى، فالقسم الأعظم لله وللوطن، ما بالنا إذا خرج القائد الأعلى عن جميع مقتضيات الطاعة والولاء؟
والقسم والتاريخ يفرضان أن أتوجه إلى المجلس العسكرى ببعض أسئلة فى هذه اللحظات المأزومة من عمر ومصير الثورة والوطن كله.
■ بعد عشرة أشهر تقريبا من تولى مسؤوليات الحكم.. هل تطمئنون؟.. هل ترتاح ضمائركم ووطنيتكم إلى ما آل وانهارت إليه أحوال مصر؟.. هل لا يفزع ويؤلم هذا التراجع والاضطراب والفوضى ومخططاتها تزداد اشتعالا وأحوال المواطنين تزداد اضطرابا وكل ما توقعوه أو تمنوا أن تأتيهم الثورة به أو على الأقل تلوح وتطمئن لم يحدث؟ ومن له حق ومن ليس له، لا حدود ولا فواصل يشعلها ترك الماضى ورموزه وقواه تستغل كل ما زرع فى الأرض من تخريب وتدمير للإنسان -والمسارات والقرارات منذ قيام الثورة تنحرف عن مطالب الثوار الذين انتهى المصير بكثير منهم إلى ما كانوا يلاقونه من ميليشيات النظام الساقط- اختطاف ومحاكمات عسكرية وصمت على جريمة الخيانة العظمى لشرطة هذا النظام تلك الجريمة التى بدأت بانسحابها تماما منذ 28 يناير وما زالت، وتخفى الأدلة والوقائع، ما حقيقة الهجوم الذى تم ليلة 28 و29 يناير الماضى؟ وحدث فى توقيت واحد اقتحام أكثر من 150 هدفا حيويا ومقرا للأمن والسجون وتهريب أكثر من 24 ألف مجرم وإطلاقهم على المصريين.. وما زالوا وتفاقمت الأزمات بإدارة فاشلة تماما لوقائع حياة المواطنين، وفى مقدمتهم الفلاحون الذين يسجنون الآن وفاءً لديون هزيلة لبنك الائتمان الزراعى، والعمال وملايين الشباب الذين يعانون البطالة، أحدث عقد عمل وقعه شاب حاصل على الماجستير فى القانون براتب شهرى 180 جنيها!! وتوالى انهيار الاقتصاد وانكماش وانسحاب الاستثمار وعدم القدرة على استرداد أى قدر من ثروات المصريين المنهوبة سواء داخليا أوخارجيا، وأرجو أن لا يتعلل أحد بالحجة أو الادعاء القديم، أن الثورة هى السبب، لقد فتحت الثورة بوابات الأمل والإنقاذ والخلاص، ولكن إدارة ما بعد الثورة اختلط فيها عجز الخبرات العسكرية بالتردد والخوف، وبافتقاد الإرادة الثورية وبإسناد الأمور إلى الأقل كفاءة وقدرة وكأن الاختيار يحكمه مقياس واحد، من يتوفر فيه الشروط العسكرية المطلوبة للخضوع والطاعة العمياء، إضافة إلى الأخطر وهو عدم فض الاشتباك بين من صنعوا مأساة الماضى وبين المشاركة فى صناعة الحاضر والمستقبل وعدم التطهير بمنطق ثورى.
الخلاصة: المشهد الوطنى ينذر بكوارث أخطر لوطن ولشعب لم يتعافوا من آثار تدمير وإفساد واستبداد واستذلال أكثر من ثلاثين عاما.. فهل يتحمل المجلس العسكرى أمام التاريخ وزر إدارة هذا الانهيار والانكسار؟!
■ أسأل المجلس العسكرى: هل لديهم شك فى قيمة ودور ورأى قائدين عسكريين عظيمين مثل المشير عبد الغنى الجمسى، وزير الحربية الأسبق ورئيس أركان القوات المسلحة، والفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان القوات المسلحة فى نصر أكتوبر؟ ما شهادة القائدين عن علاقة القوات المسلحة بالسياسة؟!
■ يقول المشير عبد الغنى الجمسى «إن الرجل العسكرى لا يصلح للعمل السياسى قط، وإن سبب هزيمتنا عام 1967 هو اشتغال وانشغال رجال الجيش بالألاعيب فى ميدان السياسة.. فلم يجدوا ما يقدمونه فى ميدان المعركة».
أما شهادة الفريق سعد الدين الشاذلى فتقول: «ليس هناك خلاف حول حتمية تبعية القيادة العسكرية للقيادة السياسية، حيث إن الحرب هى امتداد للسياسة بوسائل أخرى، وفى الدول الديمقراطية تكون القيادة السياسية منتخبة بواسطة الشعب، وبالتالى فهى تمثل الشعب وتعمل على تحقيق أهدافه فى حين أن القيادة العسكرية غير منتخبة، وبالتالى يجب إخضاعها لإشراف القيادة السياسية».
للأسف الانهيار الذى قاد إليه الفشل السياسى، تقافزت عليه واستغلته أحزاب وقوى سياسية تحركها دائما مصالحها الخاصة، ومعها ازداد المشهد الوطنى بؤسا وانهيارا، ويضاف إلى عوامل الخطر التى يمتلئ بها تطبيع قواتنا المسلحة التى اخترقت صناعة النصر مع الفشل والهزيمة وانكسار العقيدة الوطنية ورفع عصاها وسلاحها على المواطن المصرى بدلا من تاريخ عظيم من الاصطفاف درعا حامية له!! ما زلنا نذكر ما حدث فى الأيام الأولى للثورة، عندما نزلت قوات ومعدات الجيش وسط المواطنين وكيف استُقبلوا استقبالات مليئة بالزهو والاعتزاز، وكيف ذكرتنا ملامحهم وأداؤهم وأخلاقهم ونبلهم واحترامهم للمواطن بالملامح الأصيلة التى كانت للمصريين قبل أن يشوهها ويدمرها النظام السابق بالقهر والاستبداد والفقر والجهل وسائر أشكال التلوث والتدمير.. بدت الشرطة العسكرية فى أيام الثورة الأولى كأنهم جزء عزيز من مخزون الأمل والثقة والكرامة والوطنية، الذى لن تنفد أرصدته فى هذا الوطن أبدا، كانوا يتعاملون ببالغ الاحترام مع جموع المواطنين، وما زالت آلاف الأسر المصرية تحتفظ بصور تذكارية لشيوخ وشباب وأطفال تحتضن الجنود والضباط وتعتلى الدبابات والمجنزرات، كان الاستقبال والفرحة يترجمان ما كان لقوات الجيش المصرى من ثقة وإكبار فى الضمير المصرى، وكأنهم يتباهون بأن هؤلاء هم أولادهم وإخوانهم الأمناء عليهم وعلى وطنهم، أصحاب الكفاءة والمهارات القتالية الذين كان ميزان الواحد منهم وفق أكبر المحللين العسكريين الأجانب لمعارك نصر أكتوبر أن أداء المقاتل المصرى يفوق أحد عشر مقاتلا من الجيش العبرى!! أراقب المشهد الآن فى شوارعنا فى حفلات الدم والتصادم، وهم يساقون إلى ما لم يدربوا عليه ويُضربون ويَضربون، ويقرر تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان أن ممارسات الشرطة العسكرية فى أحداث ماسبيرو ارتكبت أخطاء جسيمة ترقى لأن تكون عملا إجراميا!! وتنتقل المواجهات، بدلا من العدو إلى الشعب ويتحولون من حماة لأمنه وسيادته وكرامته إلى منتهكين ومعتدين!! ويفرض عليه إعادة استنساخ أخلاق وممارسات وجرائم النظام الأمنى للنظام الساقط!! مثل هذا الجيش باستمرار التطبيع مع هذه الممارسات وكسر واختراق العقيدة الوطنية هل يستطيع أن ينتصر فى معارك أمن قومى وحدود قد تفرض عليه اليوم قبل الغد؟
■ إنقاذ هذا الوطن العظيم من الانهيارات التى أخذته إليه القرارات والمسارات الخاطئة يقتضى اعترافا واعتذارا إلى الشعب، تترجى تلبية مطالب الجماعات الوطنية، ليست صاحبة أى مصلحة أو مطلب فى حكم أو انتخابات رئاسية أو برلمانية بكل ما أحيط بهذه الانتخابات من أسباب لإعادة استنساخ الماضى، وعدم تمثيل جميع القوى والأطياف السياسية واتخاذ قرار شجاع بإحالة جميع المتهمين من الشباب إلى قاضيهم الطبيعى.. فالأخطاء والخطايا التى وقعت فيها إدارة الحكم بحق الثورة أكبر من أى اتهام يوجه إليهم! ومزيد من إشعال نيران غضبهم أثق بأنه فى مقدمة ما يسعى إليه أعداء الثورة والحالمون بالحلم المستحيل وهو إسقاطها.. وتتبقى دقائق أخيرة لاتخاذ قرار شجاع آخر باستكمال حكم القضاء بحل الحزب الوطنى بإصدار القرار السياسى الذى أعلن المجلس العسكرى ومجلس الوزراء عشرات المرات عن صدوره لإعطاء الحزب الذى شارك فى الإفساد والفساد أكثر من ثلاثين عاما إجازة الْتقاط أنفاس وتضميد جراح لمصر لدورة برلمانية واحدة.. هل لا تستحق؟! وأذكّر فقط بعبارات مما ورد فى حكم إدارية المنصورة بمنعهم «إن من أهدروا الحقوق والحريات وقوّضوا دعائم الديمقراطية فى البلاد وقاموا بتزوير إرادة الشعب فى جميع انتخابات المجالس النيابية طوال ثلاثين عاما ومنعوا من عاداهم من أفراد الشعب من الترشح لعضوية هذه المجالس واحتكروا لأنفسهم -زورا وبهتانا- صفة تمثيل الشعب فيها.. عليهم أن يذوقوا ذات الحرمان لفترة مؤقتة ولحين تطهير المجتمع من أفعالهم»!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق