وراء مَن؟!
Thu, 17/11/2011 - 08:00
86
أفهم أن تعترض القوى التى تسعى للتوافق الوطنى على المواد الخاصة بالقوات المسلحة فى الوثيقة التى تتبنى مبادئ دستورية عليا، والتى تتضمن ضمانات لكل المبادئ العامة التى تحميها الدساتير فى العالم كله. لكن ما لا أفهمه حقا لماذا ترفض القوى التى تسعى لإقرار دولة مدنية، تقوم على المساواة والمواطنة والحقوق الكاملة، الوثيقة فى جملتها، ولماذا تلتقى مع القوى الإسلامية فى رفض الوثيقة رغم أن هذه القوى تدرك أن رفضها غير رفض الاتجاهات الإسلامية كما لا أتصور أنها لا تدرك أنها ربما تنطلق من منطلق وطنى ديمقراطى فى موقفها، بينما القوى الإسلامية تنطلق من انتهاز الفرصة للانقضاض ليس فقط على البرلمان، لكن أساساً على المجتمع وكتابه ألا وهو الدستور لتضعه طبقا لأجندتها ورؤيتها ومصالحها وليس طبقا للتوافق الوطنى كما يجب أن يكون.
لا أتصور أن أحداً تغيب عنه أهداف القوى الإسلامية السياسية ومطامعها، وأكاد أؤكد أنهم يكادون يقولون «خذونى» من فرط لهفتهم على ما يطمعون فيه، إذن يصبح السؤال الذى يتردد على ألسنة الكثيرين هو: لماذا تسير القوى المدنية وراء الإسلاميين فى هذه المعركة التى تصب أصلا فى الاستقطاب الذى أحدثه الإسلاميون فى المجتمع منذ الاستفتاء على التعديلات الدستورية حتى اليوم؟ هل هى سذاجة سياسية، بحيث لا يدركون ما يساقون إليه، مما يتنافى أصلا مع رؤيتهم ليس للمجتمع المصرى والدولة المصرية فى المستقبل، لكن- وهو الأهم- رؤيتهم الأهداف التى قامت عليها ثورة 25 يناير، والتى نادت فى الأساس بالمساواة والعدالة الاجتماعية بين جميع المواطنين؟! مما يستدعى أن يأتى الدستور معبراً عن كل الشعب المصرى وحاميا لكل المواطنين مهما اختلفت الأجناس والأعراق والطبقات والأديان.
من يتابع تصريحات قيادات القوى الإسلامية يدرك أن هؤلاء لا ينطلقون من أجندة وطنية أو ديمقراطية، بل ينطلقون من رؤية خاصة جداً تقوم على إعادة تشكيل المجتمع المصرى، طبقا لقناعاتهم مع تجاهل تام لحقيقة مؤكدة، وهى أن الثورة قامت انقلابا على نظام سياسى فاسد وليس على مجتمع فاسد لكى نقطع ما بينه، وما بين ماضيه ونعيد تشكيله من جديد طبقا لما يتصورون أنه الشكل الصحيح الذى يختلفون فيما بينهم على صورته.
والواقع أن الكثيرين يقعون فى ابتزاز هذه التيارات ويجدون أنفسهم فى النهاية يعملون لأهدافها، وليس لأهدافهم وقناعاتهم وليس التيارات المدنية وحدها هى التى تسقط فى مثل هذا الفخ. لكن الإعلام أيضا الذى- بعدم مهنية أحيانا وبتواطؤ فى أحيان ثانية وبحثا عن الشعبية فى أحيان ثالثة- يقدمهم على أنهم القادمون الجدد ليس فى البرلمان ولا فى الحكومة وليس بصفتهم من سيحكمون، بل بصفتهم من سيتحكمون فينا ويفرضون علينا ما لا نريد، وهى نظرة مقصورة تماما، فليأت من يأتى ليثبت على أنه قادر على تحقيق الديمقراطية ودفع هذا البلد إلى الأمام وحل معضلاته، ومن يستطع فسنصوت له مرة ثانية مهما يكن، ومن لم يفعل فعليه أن يرحل، فلم نقم بالثورة لنستبدل أشكال الديكتاتوريات ونبدل واحدة بأخرى بل لنتيح لهذا البلد فرصة الحياة فى ظل الديمقراطية.
أما من يتصور أن فى مقدوره أن يتحكم ويعيد تشكيلنا جميعا على شاكلته فعليه أن يعيد حساباته، فمن قام بالثورة قام بها لأهداف محددة أهمها الحرية، ولن يسمح لهؤلاء ولا من ساروا وراءهم بأن يغتال حريتهم أحد مهما تشدق بالإرادة الشعبية من يسعى للإطاحة بهذه الحريات.
كلمة أخيرة: نحن أمام لعبة محنكة لا تستقيم معها البراءة السياسية، فلا تدعوا أحداً يأخذكم لطريقه.