الخميس، 27 أكتوبر 2011



الثورة فى مصر ستقوم بعد الانتخابات
Wed, 26/10/2011 - 08:00

1,334
كيف تقول بأن الثورة ستقوم بعد الانتخابات، ألم تكن هناك ثورة شهد لها العالم بأنها أهم ثورة حدثت فى التاريخ، وأن اسم ميدان التحرير الآن هو رمز للثورة من القاهرة، عبوراً بلندن حتى نيويورك، ماذا دهاك؟ ألا تجد فى نفسك ما
يشجع هذا الشعب على المضى إلى الأمام؟ هكذا قال صاحبى عندما قلت له إن الثورة فى مصر ستقوم بعد انتخابات مجلس الشعب المقبلة، وهنا أقصد الثورة
 الثالثة. وليتريث البعض قبل إصدار الأحكام كى يفهموا الموضوع، ثم بعدها يحكمون على الأمر، ولا نأخذ الكلام «من شواشيه» كما يقولون بالعامية المصرية.
بداية، ولنتعرف على ما أرمى إليه، لابد أن نواجه حقائق محددة فيما يخص ما حدث فى مصر، فبينما يتحدث الجميع عن ثورة واحدة، وأن الجيش والشعب يد واحدة، أقول إن هناك ثورتين، فالجيش والشعب كانا يريدان ثورتين مختلفتين، ولم يكونا أبداً يداً واحدة كما كان يقول الشعار.
كانت فى مصر ثورتان، إحداهما على جمال مبارك وشلته، وهى ثورة قامت بعد تردد شديد وهمهمات داخل الغرف المغلقة لقيادات الجيش ولم يتجرأ
أصحابها بالجهر بمطلبهم إلا عندما رأوا جموع المصريين فى الشوارع فى 25 يناير وما بعد. أما الثورة الثانية فهى ثورة قامت على مبارك ونظامه، وقام بها الشباب الراغب فى تغيير النظام ونقل مصر إلى عالم مختلف. وبين الثورة
والثورة وقفت جموع مختلفة تبحث عن غنيمة أو فريسة، فالبلطجية مثلاً قسموا أنفسهم بين «بلطجية الثورة» و«بلطجية النظام». وبالطبع لا يجرؤ أحد على
 الحديث عن أنه كانت للثورة بلطجية، فالثورة التى فى مخيلتنا، أقصد الشعبية منها، كانت نقية ورائقة كماء النيل بعد هدوء الفيضان، لكن من كانوا فى الثورة منذ اليوم الأول يعرفون أن الذى هزم الداخلية لم يكن شباب الثورة،
بل الذين جاءوا من العشوائيات المحيطة بالقاهرة، وهم من أنهكوا الأمن المركزى لأنهم متعودون على لقياه بعد كل مباراة من مباريات الأهلى والزمالك،
 ولكن ليست هذه هى القصة.. المهم أنه كما كان للنظام بلطجيته فى موقعة الجمل، كان للثورة بلطجيتها فى البداية، ولكن تدريجياً انزوى عن الثورة بلطجيتها
الفيزيائية، وتزايد بلطجية النظام، خصوصاً بعد فتح السجون وصولاً إلى موقعة الجمل وما بعدها، أما الثورة فقد انحصر بلطجيتها فى الإعلام والتشويه وفى الباحثين عن الغنائم. فالثورة كانت كموقعة أُحد، انشغل الناس فيها
بالغنائم، فخسروا الثورة لكفار قريش، وبالكفر لا أعنى المفهوم الدينى ولكن من كفر بشىء هو من غطاه وأنكره، شىء قريب من كلمة الإنجليزية «cover» التى تتشابه معها فى النطق. كفر هؤلاء بالثورة وذهبوا للغنائم ولما لم يجدوها
وجدوا ضالتهم فى أموال فلول النظام وتجاره. وأيضاً تلك تفصيلة لا يجب التوقف عندها كثيراً. فالمهم فى كل هذا هو أن الثورة على مبارك ونظامه قد
 فشلت، فقط نجحت الثورة على جمال مبارك وشلته متمثلة فى سيطرة المجلس العسكرى على الحكم وما سيتبع العملية السياسية من مكاسب للعسكر.
 نزع القائمون على الحكم بعض صفحات من كتب عملية السلام عند بنيامين نتنياهو وطبقوها على مصر بعد الثورة، ففى عملية السلام أدخلنا الإسرائيليون فى العملية وتركوا السلام كهدف، ومازلنا نبحث عن السلام ولكننا غارقون منذ سنين فى تفاصيل العملية، لدرجة أن الكثيرين منا من نوعية المفاوض
«الفلسطينى» نسى الهدف الأساسى وهو السلام وانخرط فى تكتيكات العملية.
الناس فى مصر نسيت الثورة وأهدافها وانخرطت الآن فى العملية، انتخابات مجلس الشعب وانتخابات الشورى، وهوية الدولة ومن بعدها معركة الدستور،
ورؤية عمرو موسى للدولة، وقانون دور العبادة، «موحد»، أو «مش موحد» بالله. نسى المصريون الثورة، وبدت الثورة كأتوبيسات القاهرة، «يتشعبط»
فيها الناس باحثين عن مكان بينما يصيح المجلس العسكرى، «ادخل ادخل الأتوبيس - قصدى الثورة - فاضى جوه»، وبالفعل أصبحت الثورة فاضية جوه، مفرغة من مضمونها، فقط ناس متشعبطة على التليفزيونات والمنابر
 باحثة عن غنيمة أو موقع قدم، رغم أن المجلس ينادى بجد، الأتوبيس فاضى جوه، بمعنى «مفيش حاجة، خلاص الثورة خلصت». وهنا أقصد الثورة بمعناها الشعبى ضد مبارك وأركان نظامه، فمبارك باق والنظام باق، وأمن الدولة باق، والأمن المركزى باق.
أما الثورة على جمال مبارك فهى الثورة التى نجحت، قُضى على التوريث من الأب إلى الابن، ولكن بقى التوريث من عسكرى إلى عسكرى آخر، أو عسكرى بشراكة إخوانية أو سلفية، أو عسكرى محاط بصيحات
«المتشعبطين» على سلم الثورة والباحثين عن مكان فى الثورة «اللى فاضية قوى جوه». لهذا لابد للشعب أن يعى أن الثورة الشعبية الأولى تم إجهاضها تقريباً، وأن الثورة ضد جمال وشلته هى التى نجحت، ومن هنا لا يبقى أمام الشعب إلا أن يقوم بالثورة الثالثة،
 وهذه سوف تحدث بعد انتخابات مجلس الشعب، بعد أن ينظر المصريون إلى وجه النظام الذى أنتجوه بعد الانتخابات الحرة «قوى» والنزيهة «قوى» التى مارسوها، ليجدوا أنهم أنتجوا نظام مبارك من غير جمال وأحمد عز. هنا تنظر مصر إلى وجهها فى المرآة، فلا ترى إلا التجاعيد القديمة، وقد ذهبت
 - وفى فترة وجيزة - نضارة الشباب التى رأيناها فى الفترة من 25 يناير إلى 11 فبراير 2011، ووقتها فقط ستقوم الثورة بجد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق